الاتفاقية مع الهندي الأحمر.. كيف تجاوزت المقاومة الفخ الأخير؟

بقلم: خالد شحام..
في العام 1975 كانت هيأة الأمم المتحدة قد أصدرت قراراً خاصاً يحمل الرقم المشهور 3379 باعتبار الحركة الصهيونية، حركة عنصرية صرفة، والتعامل معها بما يمليه هذا الاعتبار من كونها حركة إرهابية معادية للقوانين الدولية ومسيئة للإنسانية، وخاضعة للمساءلة بكل أفعالها واعتداءاتها التي لم تكن تقارن أبدا بما تقترفه اليوم، كان يقف خلف هذا القرار الأمين العام للأمم المتحدة النمساوي كورت فالدهايم لمن كان يذكره، كان هذا القرار كافيا لإثارة جنون الكيان الصهيوني ودافعا له للبحث عن أية وسيلة للتخلص منه بأي شكل في وقت كانت فيه الصهيونية في مهد الولايات المتحدة .
وفعلا جاءت الظروف المواتية لذلك عندما فرضت علينا الولايات المتحدة ما يسمّى مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991 وسيق فيه الفلسطينيون إلى خديعة كبرى، حيث كان الشرط المعلن للكيان الصهيوني للمشاركة في هذا المؤتمر وقتها إلغاء ذلك القرار من سجلات الأمم المتحدة، وتم لهم ما أرادوه، وكمتابعة لحملة الثأر طاردت الحركة الصهيونية بكل قواها وحلفائها الدكتور كورت فالدهايم لمنع ترشّحه للرئاسة في بلاده -النمسا- ثم تعرّض لحملة مقاطعة من الولايات المتحدة الأمريكية ومن الغرب عقب فوزه (1986- 1992) بحجة أنه عمل في الجيش الألماني النازي أثناء الحرب العالمية الثانية وأسهم في ترحيل اليهود، رغم أنّ لجنة مؤرّخين دولية برّأته من ذلك في العام 1988.
تتكامل معالم هذا التغلغل في المستوى العالمي عندما جاءتنا الأيام بكتلة عضوية كارثية اسمها الرئيس ترامب، وترامب هذا يقف في الأسبوع الماضي وهو يلقي على أسماعنا خطته للسلام ويهدد ويتوعد ويأتي بالماضي ليكذب على الحاضر، ليس متنكراً لحقوق الشعب الفلسطيني فحسب ولا الشعوب العربية ودولها، بل لكل العالم، ضارباً عرض الحائط بكل الرصيد القانوني والحقوقي لمؤسسات الأمم المتحدة، لم يكن الرجل يرى إلا نفسه وطائراته ومعداته الحربية وصفقاته وهو يتحدث، ولم يرَ من حوله إلا أقزاماً وشعوباً متخلفة وحكاماً لا يساوون فلساً واحداً في نظره، لذلك كان خطابه موجها بمكبرات الصوت نحو الشرق الأوسط ثم روسيا ثم الصين، خطاب مفصل تفصيلاً لكي يتم رفضه بما فيه من نكات واحتقار وسخرية من العرب والمسلمين ووضعهم كرهائن في الزمان الترامبي، وممنوع تعديله أو مناقشته أو الانتظار فيه لكي يؤكد بأن الخطة ماضية دون توقف وبأن كل دعايات المفاوضات والهدن والسلام هي مجرد مكملات ديكورية من لوازم الإبادة لتخفيف الضجيج والاعتراض العالمي، واستكمالاً للتهريج والتبعية تتعاضد ثماني دول من العرب والمسلمين، للضغط على قوى المقاومة للخضوع المطلق لشروط الاذلال، ثم يرتفع صوت الاتحاد الأوروبي ليؤازر ويشدد على ضرورة خضوع المقاومة الفلسطينية لشروط الإبادة والاستسلام والإذلال، ليتم التأكيد مرة أخرى بان وباء الصهيونية هو الذي يحكم هذا العالم .
عقب هذه المدخلات وفي انتظار الرد، قدمت المقاومة ردها وكما هي العادة ضمن رؤية تتجاوز الفخ المجهز جيداً لإكمال مشروع الإبادة المرسوم سلفا، وفاجأتنا حماس بالأمس بالإجماع الذي يحفظ دماء الشعب الفلسطيني ويؤكد وجود روح صامدة واعية لا تخاف شيئاً، ليس هدفها الحكم ولا المكتسبات السياسية ولا شيء مما تتصارع عليه قوى الحكم، وتحت كل الشروط والملابسات يجب أن يرفع كل هذا العالم التحية للمقاومة الفلسطينية التي تعرضت لموجة من التحالف العسكري والسياسي والإعلامي ضدها وضد مشروعها التحرري وبقيت صامدة طيلة سنتين من التدمير والقتل المتواصلين .
لقد تُرِكت المقاومة الفلسطينية وحيدةً تماما، ووصل الضعف والهزال العربي والعالمي إلى القاع الأسفل من بئر الظلمات إلى الحد الذي صارت فيه الموبقات والخيانة والنذالة، فنوناً وتحفاً وأعاجيب لم يمكن رؤية مثلها من قبل، ومن أعاجيب هذا الزمان أن وصول سفينة صغيرة محملة ببعض المساعدات الرمزية إلى شواطئ غزة أصبح معجزة لا تقدر عليها كل دول العالم وصار الكيان الصهيوني الغول الكبير لا أحد قادر على ردعه أو كبح وحشيته، ومن فنون الخيانة في هذا الزمان، ان حزب الله ابن لبنان صار هو الخطر على لبنان ويجب تشليحه من سلاحه بدعم وميزانيات تدفعها الولايات المتحدة، وصار انهاء وجوده مطلباً وطنياً خالصاً، فيما الكيان الصهيوني يقتل ويعربد ويقصف كل يوم مرة أو مرتين بينما يطالب رئيس الجمهورية بحماية بلده من الاعتداءات الصهيونية فيرد عليه باراك بأنه ليس من واجب الولايات المتحدة ضمان أي شيء.
لكن السؤال هنا، هل هذا هو مصيرنا جميعا؟ هل نحن أمام خيار الاستسلام أو الذوبان والتلاشي في لوحة الإبادة الصهيونية؟ هل هنالك بارقة أمل في تغير هذه الصورة المحكمة الثقيلة على وعينا وحياتنا ومصيرنا؟.
لقد قدمت غزة كل معاني السمو العظيمة في معية التضحيات العظيمة، غزة الحق والشرعية والطهر والنقاء والجمال والشرف والمعاني الجميلة، ترامب لا يمثل الجريمة في غزة فحسب، بل هو وعصابته يمثلون كل معالم الفساد والانحطاط والخراب في زماننا هذا، في كل مكان فيه وكل مدينة وكل بلد، على الرغم من سخونة الأيام القادمة والتحضيرات المجهزة للاشتعال، إلا أننا نؤكد بأن الحرية لم تعد مطلوبة لفلسطين فقط، لقد أصبح المطلب الآن تحرير هذا العالم بكل دوله ومدنه من هؤلاء المجرمين في كل مكان.



