الصين تكشف عن صاروخ باليستي مزود بمركبة انزلاقية فرط صوتية

تواصل الصين الكشف عن أسلحتها المتطورة تحسباً واستعداداً للتحديات التي تفرضها الدول الغربية والدول المجاورة لبكين، فقد أجرت الصين اختبارًا جديدًا لصاروخ باليستي عابر للقارات مزوّد بمركبة انزلاقية فرط صوتية.
جرى الإطلاق من جزيرة هاينان عند الساعة السادسة مساءً بتوقيت بكين، وهو توقيت اُختير بعناية كي لا يمر الحدث دون أن يشاهده العالم بأسره. هذا التوقيت، الواقع في ساعات الذروة الإعلامية الدولية، يوحي بأن بكين أرادت توجيه رسالة واضحة عن قدرتها المتنامية في مجال تطوير الصواريخ بعيدة المدى والمتقدمة تقنيًا.
ما لفت الانتباه أكثر هو المسار غير المعتاد الذي اتبعه الصاروخ أثناء التجربة. فعلى خلاف المسارات الباليستية التقليدية، بدا المسار أقرب إلى نمط الانزلاق الفرط صوتي، الأمر الذي يعكس مستوًى عاليًا من التحكم في ديناميكية الصاروخ ودقته بالمناورة. هذا النمط يتيح للصواريخ الصينية تجنب أنظمة الدفاع الصاروخي التقليدية، ويمنحها قدرة أكبر على إصابة أهداف بعيدة بدقة متناهية، مما يرفع من سقف التحديات أمام خصومها الإقليميين والدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا.
ويأتي هذا الاختبار في سياق خطة أوسع تتبناها بكين لتطوير ترسانتها الصاروخية الفائقة السرعة، والتي تُعد من أبرز ركائز سباق التسلح العالمي في السنوات الأخيرة. فمنذ أن كشفت الولايات المتحدة وروسيا عن مشاريع مماثلة، كثّفت الصين جهودها للحاق بالركب، بل وتجاوزه في بعض الجوانب، من خلال الاستثمار المكثف في الأبحاث والتجارب الميدانية. وتُعتبر المركبات الانزلاقية الفرط صوتية أحد أخطر الابتكارات في هذا المجال، إذ تجمع بين القدرة على الطيران بسرعات تتجاوز خمسة أضعاف سرعة الصوت، وبين المرونة العالية في تغيير المسار خلال الطيران، وهو ما يقلّص بشكل كبير من فعالية أنظمة الاعتراض الدفاعية الحالية.
على المستوى الاستراتيجي، يعكس هذا الاختبار إصرار الصين على تعزيز مكانتها كقوة عظمى مكتملة الأركان، ليس فقط اقتصاديًا أو سياسيًا، بل عسكريًا أيضًا. فامتلاك قدرات هجومية من هذا النوع يفتح أمام بكين آفاقًا جديدة في موازين الردع، ويمنحها ورقة ضغط إضافية في مواجهة أية محاولات لاحتوائها أو تهديد مصالحها الإقليمية والدولية. كما أن توقيت الاختبار يتزامن مع تصاعد التوتر في بحر الصين الجنوبي وقضية تايوان، ما يضفي على التجربة بعدًا سياسيًا لا يقل أهمية عن بعدها العسكري.
وتتسابق الصين وروسيا في ميدان تطوير الصواريخ الفرط الصوتية، حيث بات هذا النوع من السلاح يمثل محورًا رئيسيًا في سباق التسلح العالمي. الصين تمتلك بالفعل صاروخ DF-17، وهو باليستي متوسط المدى مزود بمركبة انزلاقية فرط صوتية تُعرف باسم DF-ZF، بمدى يقترب من 2500 كيلومتر وقد صُمم خصيصًا لاختراق أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية المنتشرة في آسيا والمحيط الهادئ. إلى جانب ذلك تعمل بكين على تطوير نسخ من الصاروخ العابر للقارات DF-41 يمكن تزويدها بمركبات انزلاقية فرط صوتية، فضلًا عن برنامج “ستاري سكاي-2” التجريبي، وهو مشروع يهدف إلى بلوغ سرعات تتجاوز 6 ماخ.
أما روسيا فتُعد الأكثر تقدمًا من حيث الاستخدام العملي، إذ دخلت مركبة “أفانغارد” الخدمة الفعلية منذ سنوات، وهي قادرة على التحليق بسرعات تصل إلى ما بين 20 و27 ماخ مع القدرة على المناورة، الأمر الذي يجعل اعتراضها شبه مستحيل. كذلك نشرت موسكو صاروخ “كينجال” الذي يُطلق من الطائرات، وقد استُخدم بالفعل في الحرب الأوكرانية بسرعة تقترب من 10 ماخ ومدى يصل إلى 2000 كيلومتر، إلى جانب صاروخ “زركون” البحري الذي تبلغ سرعته ثمانية إلى تسعة ماخ ويصل مداه إلى نحو 1500 كيلومتر.
في المقابل ما زالت الولايات المتحدة في مرحلة التجارب رغم استثماراتها الضخمة، حيث تعمل على مشروع ARRW الذي يُطلق من القاذفات الاستراتيجية، وبرنامج HAWC المشترك بين “داربا” وشركات صناعات دفاعية كبرى لتطوير صاروخ كروز يعمل بمحرك نفاث فرط صوتي، بالإضافة إلى مشروع LRHW المعروف باسم “دارك إيغل” والمخصص للمنصات البرية بمدى يتجاوز 2700 كيلومتر. وعلى الرغم من التحديات التقنية التي واجهتها هذه البرامج، فإن واشنطن تسعى لتسريع وتيرة العمل لتقليص الفجوة التي فتحتها موسكو وبكين في هذا المجال.



