ضغوط أمريكية دفعت بتمرير الاتفاق النفطي مع الإقليم دون ضمانات

استئناف التصدير مُعرّض للانهيار
المراقب العراقي / أحمد سعدون..
يثير اتفاق استئناف تصدير النفط بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، المُوقّع مؤخراً، عدداً من التساؤلات الجوهرية التي لم تُكشف تفاصيلها حتى الآن، وفقاً لتقارير اقتصادية ، في الوقت الذي روج فيه للاتفاق على أنه خطوة نحو الاستقرار الاقتصادي وضمان عودة تدفق النفط عبر تركيا، إلا أن إعلان الحكومة لم يتطرق إلى عدد من القضايا الحساسة التي تمثل جوهر الخلافات السابقة، والتي قد تخلق فجوة جديدة في حال عدم معالجتها بشفافية، خاصة في ظل ضغط دولي، وعلى رأسه الأمريكي، من أجل التوصل إلى هذا الاتفاق.
مختصون استغربوا من عدم صدور أي توضيح رسمي من بغداد أو أربيل بشأن مصير ديون الشركات الأجنبية العاملة في الإقليم، والتي تبلغ نحو مليار دولار، مبينين أن هذه الشركات كانت قد علقت عمليات التصدير منذ مارس 2023، مشترطة تسديد مستحقاتها قبل أي استئناف للعمل، الاتفاق الحالي لم يتناول ما إذا كانت الحكومة قد سددت هذه الديون، أو تعهدت بتسديدها مستقبلاً، أو تفاوضت على جدولتها، ما يترك تساؤلات مفتوحة حول مدى استدامة الاتفاق.
كما أشاروا الى أن غياب الشفافية شمل أيضاً عدم الكشف عن نوعية الضمانات التي قدمتها الحكومة المركزية ، أو سلطة الإقليم لتأمين حقوق الشركات الأجنبية وضمان استمرار التصدير، في السابق كانت الشركات تطالب بضمانات تعاقدية أو مالية تضمن حقوقها قبل إعادة تشغيل الحقول أو ضخ النفط عبر أنابيب التصدير، وهو ما لم يوضح بعد.
كما بينوا أن الاتفاق نص على تصدير ما بين 190 إلى 230 ألف برميل يومياً من نفط الإقليم، مع تخصيص 50 ألف برميل للاستهلاك المحلي، لكن مع احتمالية عودة الإنتاج إلى المستويات السابقة البالغة 400 ألف برميل يومياً، لم تعلن الحكومة عن كيفية توزيع الفائض، أو ما إذا كانت هناك صيغة مرنة للتعامل مع ارتفاع الإنتاج مستقبلاً، الأمر الذي يفتح الباب أمام تفسيرات متعددة وخلافات محتملة.
ووفق هذه الضبابية أكد مراقبون أن توقيع الاتفاق جاء بعد ضغوط مارستها واشنطن على الحكومة العراقية، من اجل ضمان تدفق النفط الكردي للأسواق العالمية ، غير مكترثة لحجم الخسائر التي تتلقاها حكومة المركز في حال الإخلال بهذا الاتفاق من قبل حكومة الإقليم المعروفة بهذا النهج سلفاً.
وعن مدى التدخل الأمريكي في هذا القرار، كشف موقع “أويل برايس” المتخصص بالشؤون النفطية، أن “الولايات المتحدة تنظر إلى إقليم كردستان كشريك استراتيجي، وهي تمارس ضغوطاً على بغداد لمنع أن يكون قرار النفط مركزيا “.
وفي ظل كل هذا الغموض، لم يصدر حتى الآن أي تقييم من قبل البرلمان العراقي للاتفاق، كما لم تصدر تقارير من ديوان الرقابة المالية أو هيأة الشفافية توضح الجوانب القانونية أو المالية للاتفاقية.
ويخشى مراقبون من أن يكون الاتفاق مجرد حل مؤقت تم التوصل إليه تحت الضغط الامريكي، دون معالجة حقيقية للملفات العالقة التي سببت الأزمات النفطية السابقة.
وحول هذا الموضوع أكد الخبير الاقتصادي ضياء المحسن، في حديث لـ”المراقب العراقي”، أن الاكراد ينتجون أكثر من مليون برميل من النفط يوميًا، في حين أن الاتفاق مع الحكومة الاتحادية ينص على تسليم 190 ألف برميل فقط، منها 50 ألف برميل تخصص للاستهلاك المحلي داخل الإقليم.
وتساءل المحسن عن “مصير الـ780 ألف برميل المتبقية، مشيرًا إلى أن قيمتها التقديرية، وفق سعر 60 دولارًا للبرميل، تصل إلى نحو 1.5 مليار دولار شهريًا، موضحا أن هذا المبلغ الكبير كان يمكن أن يسهم بشكل كبير في تقليص العجز في الموازنة العامة”.
وأضاف أن “هذه الكميات المتبقية تُهرب بطرق غير قانونية، من قبل حكومة أربيل بالتعاون مع الجانب الامريكي، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء يتغاضى عن هذه الحقائق ويسعى لمجاملة الجانب الأمريكي طمعًا بدعم سياسي لولاية ثانية، على حساب مصلحة المواطن العراقي والاقتصاد الوطني.”
ويبقى الاتفاق بين بغداد وأربيل لاستئناف تصدير النفط من إقليم كردستان، ورغم ما يحمله من أهمية اقتصادية في المدى القريب، مفتقرًا إلى الشفافية في أبرز محاوره، خصوصاً فيما يتعلق بالديون والضمانات وآليات التوزيع والرسوم الخارجية. ومع وجود ضغط أمريكي واضح في خلفية المشهد، فإن المخاوف من هشاشة الاتفاق تبقى قائمة ما لم يتم كشف تفاصيله أمام الرأي العام.



