المشاريع الاقتصادية رهينة الدعاية الانتخابية ووعود المرشحين

في استغلال واضح لحاجة المواطن للتنمية والخدمات
المراقب العراقي/ أحمد سعدون..
في كل موسم انتخابي، تتكرر ذات الصورة في العراق، مرشحون يتسابقون على إطلاق وعود كبيرة، وعناوين مشاريع اقتصادية عملاقة تطرح أمام جمهور يبحث عن أمل في تحسين الواقع المعيشي والخدمي، لكن ما أن تغلق صناديق الاقتراع، حتى تختفي تلك الوعود من المشهد، وتتحول المشاريع إلى مجرد لافتات مهملة أو عناوين صحفية أرشيفية.
مشاريع مثل “البصرة العاصمة الاقتصادية”، و”بابل العاصمة الاقتصادية”، و”المثنى سلة العراق الغذائية”، ومشروع “صنع في العراق”، كانت في صلب الحملات الانتخابية لعدة مرشحين وأحزاب خلال الدورات الانتخابية الماضية والحالية، لكنها لم تتجاوز مستوى التصريحات الإعلامية، ولم تحول إلى قرارات حكومية أو تشريعات فاعلة تنظم التنفيذ أو تموله أو تراقب تطوره.
ويرى مراقبون وخبراء اقتصاد، أن هذا النمط أصبح جزءاً من الثقافة السياسية في العراق، حيث يتم استغلال حاجة المواطن للتنمية والخدمات، وتحويلها إلى أدوات خطاب انتخابي دون أي التزام فعلي بالتنفيذ.
ووفقاً لهؤلاء المراقبين، إن مشكلة هذه الوعود، لا تكمن فقط في غياب الجدية، بل أيضاً في انعدام المتابعة، وغياب أية جهة رسمية تقوم بمحاسبة من يطلق هذه المشاريع بعد فوزه.
ويشير مراقبون الى ان أغلب المشاريع الاقتصادية التي تطرح اثناء فترة الانتخابات غالباً ما تكون من دون دراسة أو تخطيط مسبق، كما أنها تعرض في سياق مبالغ فيه لا يتناسب مع الإمكانات الفعلية للدولة أو المحافظات، لا من حيث التمويل ولا من حيث الجاهزية اللوجستية، لذلك، تتحول هذه المشاريع من كونها أدوات للنهوض بالاقتصاد المحلي إلى وعود مؤقتة لا أثر لها.
ويرى خبراء، أن هذه الظاهرة أسهمت في فقدان الثقة بين المواطن والطبقة السياسية، إذ أصبحت الشعارات الاقتصادية أشبه بوعود وهمية يعلم الجميع أنها لن تنفّذ، ومع ذلك تستخدم في كل حملة وكأن الذاكرة الجمعية للناخبين لا تحفظ ما سبق.
وفي السياق نفسه، أكد المهتم في الشأن الاقتصادي صالح مهدي الهماش في حديث لـ”المراقب العراقي”، أن “البرامج الاقتصادية التي تعلن في الإعلام أو تطرح خلال المواسم الانتخابية، ما تزال أقرب إلى الدعاية منها إلى خطوات مدروسة يمكن أن تخلق تحسناً فعلياً في الاقتصاد”.
وأشار إلى أن “غالبية المشاريع التي تطرح خلال الحملات الانتخابية سرعان ما تختفي بعد انتهاء الانتخابات، إذ لم يلمس أي أثر فعلي لها رغم كثرة التصريحات”، مضيفاً: أن “العناوين الاقتصادية التي ترفع خلال الدورات الانتخابية، لا تتعدى كونها شعارات مكررة لا تستند إلى رؤية واضحة أو آليات تنفيذ واقعية”.
ويرى الهماش، أن “استمرار ربط الاقتصاد بالدعاية السياسية الانتخابية أضعف ثقة المواطن بما يعلن من خطط وبرامج، وأفقد السوق استقراره، حيث يبقى النشاط الاقتصادي، رهيناً بمواسم الانتخابات لا بخطط تنموية طويلة الأمد، لافتا الى أن هذه الحالة تعيق أي تطور فعلي وتخلق بيئة اقتصادية مضطربة تجعل من الصعب تحقيق نمو مستدام”.
ولفت إلى أن “بعض هذه المشاريع كانت من الممكن أن تحدث أثراً حقيقياً لو طبقت فعلياً، خصوصاً في محافظات تمتلك مقومات اقتصادية حقيقية، مثل البصرة ذات الموانئ والطاقة، أو بابل ذات الموقع الجغرافي الزراعي والصناعي، أو المثنى التي تضم أراضي خصبة قابلة للاستصلاح، لكن ضعف الإدارة والتداخلات السياسية، وانشغال الحكومات المتعاقبة بالمنافسات الداخلية، حالت دون أن ترى هذه المشاريع النور”.
وفي نهاية المطاف، يبقى المواطن العراقي، عالقاً بين طموحات التنمية وحقيقة الواقع، وبين شعارات براقة تطرح كل أربع سنوات، وواقع خدمي واقتصادي يراوح في مكانه، ويظل الاقتصاد ملفاً غير محصن من التوظيف السياسي، بدلاً من أن يكون أداة لبناء الدولة.



