تداعيات خطيرة ومشاكل كبيرة يخفيها قانون الاستثمار السعودي بالعراق

السيادة الاقتصادية في خطر
المراقب العراقي/ أحمد سعدون..
رغم تصاعد الأصوات النيابية الرافضة له، تصرُّ كتل سياسية في العراق على تمرير قانون الاستثمار مع السعودية، وسط تحذيرات واسعة من تداعياته على السيادة الاقتصادية وأمن الموارد الوطنية، هذا الإصرار يأتي في وقت تطرح فيه تساؤلات جادة حول بنود القانون الذي يمنح المستثمر السعودي، تسهيلات وامتيازات قد تتجاوز ما هو متاح للمستثمر المحلي.
القانون المقترح، والذي يفترض أن يسهل حركة رؤوس الأموال ويشجع الاستثمارات السعودية في العراق، يتضمن بنودًا تثير الجدل، أبرزها السماح بالتحكيم الدولي في النزاعات، وإعفاءات ضريبية وكمركية واسعة، وصلاحيات قد تصل إلى استملاك الأراضي واستخدام الموارد الطبيعية دون رقابة محلية صارمة.
اللجنة الاقتصادية النيابية وعدد من أعضاء البرلمان اعتبروا، أن بعض مواد القانون تمس السيادة الاقتصادية للعراق، خصوصاً تلك المتعلقة بتحويل الأرباح بحرية وفض النزاعات أمام هيآت تحكيم خارجية، محذرين من أن الاتفاق بصيغته الحالية، يمنح المستثمر السعودي صلاحيات تتفوق على الدولة العراقية، ويفتح الباب أمام استغلال الأراضي دون قيود واضحة، مؤكدين، أن هذا القانون يمنح الملايين من دوانم الأراضي العراقية للجانب السعودي، واصفين اياه بقانون استعماري جديد تحت لافتة الاستثمار، مبينين أن السعودية تسعى للاستحواذ على أراضي بادية السماوة، كونها خصبة وصالحة للزراعة، والأمر لا يتوقف عند حدود الاستثمار، بل يشمل إدخال عمالة أجنبية قد تبقى لخمسين عاماً، ويتطلب إنشاء مساكن ومدارس ومصادر طاقة لها، الأمر الذي يشكل عملياً، عملية استيطان في البادية، شبيهة بما حدث في منطقتي نجران وجيزان اليمنيتين، وأشاروا الى ان بادية العراق تحتوي على مخزون ضخم من المياه الجوفية المتجددة يكفي لنحو 250 عاماً، وان أية سيطرة سعودية عليها، ستشكل تهديداً مباشراً للأمن الاقتصادي والمائي العراقي.
من جهتها، طالبت اللجنة القانونية في البرلمان بإعادة القانون إلى مجلس الوزراء للتدقيق وإشراك الخبراء القانونيين والاقتصاديين في صياغته، مشددة على ضرورة تعديل المواد التي تتعارض مع القوانين العراقية النافذة، خصوصاً قوانين المصادرة والاستملاك.
في المقابل، تدافع الحكومة وعدد من الكتل السياسية عن القانون، وتعتبره خطوة استراتيجية لتنشيط الاقتصاد العراقي، وجذب الاستثمارات الخليجية، خصوصاً في ظل حاجة العراق إلى تنويع مصادر الدخل بعد سنوات من الاعتماد المفرط على النفط.
وبين مؤيد ومعارض، يبقى القانون السعودي محل جدل حاداً، إذ يخشى اقتصاديون، أن يؤدي إلى خلق نفوذ استثماري غير متوازن داخل العراق، خاصة إذا لم تفرض قيود تضمن حماية الموارد، وتضمن استفادة العراقيين من العوائد المالية والوظيفية.
وفي السياق نفسه، يرى الخبير الاقتصادي د. فالح الزبيدي في حديث لـ”المراقب العراقي”، أن “منح المستثمرين الأجانب، امتيازات استثنائية دون مقابل مماثل، قد يضعف ثقة المستثمر المحلي، ويحدث اختلالًا في السوق، ما يؤدي إلى تقويض التنمية الوطنية على المدى الطويل”.
وأضاف، انه “في ظل الإصرار على تمرير القانون، باتت الحاجة ملحة إلى مراجعة دقيقة تضع مصلحة العراق أولًا، وتوازن بين جذب الاستثمارات والحفاظ على السيادة الاقتصادية، مبينا: ان الاستثمار غير المنضبط قد يكون مدخلًا لخسارة ما تبقى من استقلال القرار الاقتصادي”.
وأوضح الزبيدي، أن “القانون بحاجة إلى قراءة موضوعية من قبل خبراء الاقتصاد والاستثمار، قبل أن يُعرض على التصويت، مشددًا على أن أي اتفاق بعيد المدى، يجب أن يكون ناضجًا ويحقق الفائدة للعراق، ولاسيما أن مثل هذه الاتفاقيات لا تبرم لفترات قصيرة”.
بينما يرى مراقبون، ان الاقتصاد هو الظاهر لهذا القانون، بينما الحقيقة هي بوابة سياسية يراد منها إعادة تشكيل موازين القوى ورسم الحدود تحت غطاء الإصلاح والتنمية، مبينين، ان القوانين حين تختزل في أدوات للمساومة، يصبح المسار الاقتصادي مجرد مشهد تمهيدي في لعبة سياسية أكبر، يدفع ثمنها المواطن وتهدد مستقبل الدولة.



