اخر الأخباراوراق المراقب

الظروف التي أحاطت بالإمام جعفر الصادق (عليه السلام)

يُعتبر عهد الإمام الصادق (عليه السلام) عهد الانفراج الفكريّ لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، قياساً بالعهود السابقة التي مرّت بها الأمّة الإسلاميّة. وأسباب هذا الانفراج كثيرة أهمّها ضعف الحكم الأمويّ وانهياره سنة 132هـ. والبداية الضعيفة لدولة بني العبّاس. ومن الطبيعيّ أن ينشغل الحكّام عن رموز أهل البيت (عليهم السلام). لذلك كان الإمام (عليه السلام) بعيداً عن المواجهة السياسيّة العلنيّة. ولذا سُمّي هذا العصر بعصر انتشار علوم آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم).

“وكان فضلاء الشيعة ورواتهم في تلك السنين آمنين على أنفسهم مطمئنّين متجاهرين بولاء أهل البيت (عليهم السلام) معروفين بذلك بين الناس، ولم يكن للأئمّة عليهم السلام مُزاحم لنشر الأحكام، فكان يحضر شيعتهم مجالسهم العامّة والخاصّة للاستفادة من علومهم.

ولقد بلغ الازدهار العلمي والفكري غايته في عهد الإمام الصادق (عليه السلام) فازدهرت المدينة المنوّرة وزخرت بطلاب العلوم ووفود الأقطار الإسلامية، وانتظمت فيها حلقات الدرس، وكان بيته كجامعة إسلامية يزدحم فيه رجال العلم وحملة الحديث من مختلف الطبقات ينتهلون من معين علمه. ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان.

وإلى هذا أشار الجاحظ – وهو من الذين شاهدوا علماء القرن الثالث “جعفر بن محمد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه.

قبس من علمه ومناقبه

“أمّا مناقبه وصفاته فتكاد تفوق عدد الحاصر ويحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر، حتّى إنّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى صارت الأحكام التي لا تُدرَك عللها والعلوم التي تقصر الأفهام عن الإحاطة بحكمها تُضاف إليه وتُروى عنه.

وقال كمال الدين محمّد بن طلحة: هو “أيّ الإمام الصادق (عليه السلام) – من عظماء أهل البيت (عليهم السلام)، وساداتهم ذو علوم جمّة وعبادة موفورة وأوراد متواصلة وزهادة بيّنة وتلاوة كثيرة يتتبع معاني القرآن الكريم، ويستخرج من بحره جواهره ويستنتج عجائبه ويقسّم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه. رؤيته تذكّر بالآخرة واستماع كلامه يزهّد في الدنيا والاقتداء بهداه يورث الجنة، نور قسماته شاهد أنّه من سلالة النبوّة، وطهارة أفعاله تصدع بأنّه من ذريّة الرسالة، نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من أعيان الأئمّة وأعلامهم مثل: يحيى بن سعيد الأنصاريّ وابن جريح ومالك بن أسد والثوريّ وابن عُيينة وأبي حنيفة وأيوب وغيرهم، وعدّوا أخذهم منه منقبة شُرّفوا بها وفضيلة اكتسبوها.

إذاً، قد شهد القاصي والداني والمؤلف والمخالف أنّ الإمام (عليه السلام) صاحب المقام العلميّ الرفيع الّذي لا ينازعه أحد. حتّى توافدت كلمات الثناء والإكبار والإعجاب عليه من قبل الحكّام، وأئمّة المذاهب، والمؤرّخين وأصحاب السير… وقد أجمع العلماء مثل: المفيد، والطبرسيّ، والفتّال النيسابوريّ، والشهيد الثاني، وابن شهر آشوب، وغيرهم أنّه نُقل عن الإمام من الروايات ما لم يُنقل عن أحد غيره.

وهناك شواهد كثيرة على عظمة الإمام الصادق (عليه السلام) العلمية، وهو أمر متفق عليه من قبل علماء الشيعة والسنّة، فالفقهاء والعلماء الكبار يتواضعون أمام عظمته العلمية ويمدحون تفوقّه العلمي، فأبو حنيفة إمام المذهب الحنفي الشهير كان يقول: “ما رأيت أعلم من جعفر بن محمد.

وكتب الشيخ المفيد: “ونقل الناس عنه -الصادق (عليه السلام) من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، ولم ينقل عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من العلوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى