قاذفة PAK DA.. سلاح روسي من الجيل السادس يعكس قوة موسكو

يبدو أن روسيا عازمة على مواصلة تطورها في مجال الصناعات الحربية، خاصة مع استمرار حربها مع أوكرانيا المدعومة أوروبياً، الامر الذي يدفعها الى تطوير وإنتاج اسلحة والتخلص من السلاح السوفيتي التقليدي لمواجهة التحديات.
وتُعتبر القاذفة الروسية الشبحية الجديدة “باك دا” (PAK DA)، مشروع طموح يهدف لاستبدال قاذفات الحقبة السوفيتية بقدرات تخفِّي ومدى يتجاوز 15 ألف كلم، مع تسليح نووي وفرط صوتي، ورحلة تجريبية مرتقبة نهاية 2025 رغم التحديات والعقوبات.
ويحمل برنامج القاذفة الاستراتيجية الروسية الجديدة اسم PAK DA أو “المنتج 80”، ويُعرف كذلك بلقب “بوسلانيك” (Poslannik). ويُعد هذا المشروع من أبرز رهانات موسكو في تحديث قوتها الجوية بعيدة المدى، إذ يستهدف حلَّ القاذفات السوفيتية القديمة من طراز Tu-95 و Tu-22M3 و Tu-160، وإرساء جيل جديد قادر على مجاراة التطور الأمريكي المتجسد في القاذفة الشبحية B-21 Raider.
وأقر مسؤولون عسكريون بريطانيون بأن روسيا أحرزت تقدماً ملموساً في هذا المشروع، مؤكدين أن النموذج الأولي أصبح في مراحله الأخيرة من التصنيع، وأن أول رحلة تجريبية يُرجّح أن تتم بحلول نهاية عام 2025.
جاء تطوير القاذفة الجديدة من رغبة موسكو في تعزيز ميزان الردع الاستراتيجي مع الغرب. وعلى خلاف الطائرات الروسية السابقة، صُممت PAK DA وفق هندسة “الجناح الطائر”، التي تمنحها بصمة رادارية منخفضة شبيهة بتصميم القاذفة الأميركية B-2 Spirit، بما يسمح لها باختراق الأجواء المعادية المحصّنة بأدنى احتمال للكشف أو الاعتراض.
وتندرج الطائرة ضمن فئة القاذفات دون سرعة الصوت، وتُجهّز بمحركين من تطوير شركة توبوليف، يولّد كل منهما قوة دفع تصل إلى 24 طناً. وتشير التقديرات إلى أن وزن الإقلاع الأقصى سيبلغ 145 طناً، مع حمولة تتراوح بين 30 و35 طناً، أي أعلى بكثير من نظيرتها الأميركية B-2 التي لا تتجاوز حمولتها 20 طناً. كما يتوقع أن يصل مداها بين 12,000 و15,000 كيلومتر، مع قدرة على التحليق المتواصل حتى 30 ساعة دون الحاجة للتزود بالوقود، ما يؤهلها لتنفيذ ضربات بعيدة المدى حول العالم.
وسيقود القاذفة طاقم مؤلف من أربعة أفراد، مع قدرة على التحليق على ارتفاع يفوق 20 ألف متر. ويُعوّل في تشغيلها على أنظمة أتمتة متقدمة تقلل من أعباء الطاقم وتعزز الكفاءة العملياتية.
أمَّا تسليحها، فيُنتظر أن يشمل باقة واسعة من الصواريخ والقنابل الذكية، من بينها صواريخ Kh-BD و Kh-101 و Kh-55، فضلاً عن الصاروخ الفرط الصوتي Kh-47 Kinzhal والصاروخ المستقبلي Kh-95.
ويُرجّح أن يمنحها دمج الأسلحة الفرط صوتية ميزة تفوق على القاذفات الأميركية، لاسيما أن واشنطن لا تزال في تطوير هذه الفئة من الصواريخ. وإلى جانب ذلك، ستُجهّز الطائرة بقنابل دقيقة التوجيه، وصواريخ مضادة للسفن والأقمار الصناعية، وحجرات أسلحة داخلية معيارية قابلة للتحديث لتتسع مستقبلاً لتقنيات مثل الطاقة الموجهة أو أنماط التشغيل غير المأهول.
كما ستدعمها أنظمة متقدمة للحرب الإلكترونية قادرة على تشويش الرادارات والاتصالات المعادية، بما يعزز من قدرتها على البقاء في البيئات القتالية المعقدة. وتتكامل هذه المزايا مع منظومات استشعار واستهداف دقيقة تمكّنها من توجيه ضربات مركزة ضد أهداف عالية القيمة.
وبانتظار دخول PAK DA الخدمة، تواصل روسيا تحديث قاذفاتها Tu-160 كخيار مرحلي. ومع ذلك، فإن نجاح “المنتج 80” سيشكل نقطة تحول كبرى في تأريخ القوات الجوية الروسية، ويُحتمل أن يُحدث تغييراً في موازين القوى العالمية إذا ما تمكنت موسكو من تجاوز العوائق التقنية والمالية.
ويُنظر إلى مشروع PAK DA كركيزة مستقبلية للردع الاستراتيجي الروسي، بفضل ما يحمله من قدرات على التخفِّي، وحمولة ضخمة، ومدى بعيد، وتسليح متطور، بما يسمح لروسيا بتنفيذ ضربات عالمية عند الضرورة، وضمان توازن الردع مع القوى الكبرى. ورغم العقبات التي لا تزال قائمة، يظل هذا المشروع واحداً من أكثر برامج الطيران العسكري إثارة للاهتمام على الساحة الدولية.



