Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخر الأخباراوراق المراقب

الإمام الرضا (ع) وصفات القائد الرباني

الشيخ الحسين أحمد كريمو..

مقدمة إمامية

القيادة هي رأس الأمة ويطلق عليها في أدبيات الدين الإسلامي الحنيف: الإمامة، أو الولاية، وهي كما قال أعلامنا الكرام: “هي تقدم شخص على الناس على نحو يتبعونه ويقتدون به”، أو هي بتعريف أكبر “زعامة ورئاسة إلهية عامة على جميع الناس، وهي أصل من أصول الدِّين لا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها، وهي لطف من ألطاف الله تعالى، إذ لا بدَّ أن يكون لكل عصر إمام وهادٍ للناس، يخلف النبي (صلى الله عليه وآله) في وظائفه ومسؤولياته، ويتمكن الناس من الرجوع إليه في أمور دينهم ودنياهم، بغية إرشادهم إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم”، فالقيادة ليست هي الخلافة والسلطة الزمنية بل هذه تمثل جانباً تنفيذياً فقط إن كان الإمامة حاكمة والإمام مبسوط اليد ومطاع في الأمة ولديه كل السلطات التي تمكنه من الحكم بالعدل وتنفيذ الأحكام أيضاً.

وهنا مكمن الاشتباه والاختلاف في الأمة الإسلامية التي انقسمت وتفككت وتشتّتت وتشرذمت نتيجة هذا الخلط بين المفاهيم حيث أنهم حرَّفوا الكلم عن مواضعه، وأولوا الآيات والروايات بما يخدم أصحاب السلطة القرشية رغم أنهم يعلمون علم اليقين أنهم يخالفون قول الله ورسوله ولكن يحتجون بأحاديث اخترعوها أو حرفوها عن لسان رسول الله (ص) كقولهم: (اسْمَعُوا وأَطِيعُوا وإنِ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ كَأنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ).

والعجيب أنهم يروون قول الحاكم الأول من سلاطين قريش: (إن لي شيطاناً يعتريني، فإذا رأيتموني مغضباً فاحذروني، لا أقع في أشعاركم وأبشاركم)، أو (ألا وإن لي شيطاناً يعتريني، فإذا أتاني فاجتنبوني، لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم)، أو (أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، وعليٌّ فيكم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني)، فهل يمكن أن يكون مثل هذا الرجل قدوة وأسوة للناس ومؤتمناً على أديانهم وأموالهم وأعراضهم وهذا حاله حيث أنه يعترف أنه يكون في بعض الأحيان مطية للشيطان فيقع في الأبشار بالجلد وربما في الأشعار أي بالقتل، فهل نبرر له ذلك بما كانوا يبررون به للسلطة القرشية بأنه مؤدِّب، وهل المؤدب يقتل مَنْ يؤدِّبه يا عقلاء الدنيا؟

الإمام القائد حقيقة

وهنا من الطبيعي أن نسأل: فمَنْ هو القائد الحقيقي، والإمام الذي يقود الأمة الإسلامية ولا يقع في أبشارها وأشعارها، أو تسقط الحوامل أجنتها رؤيته من شدَّته وغلظته المعروفة المعهودة التي طالما عانى منها رسول الله (ص) في حياته الشريف؟

ومَنْ هو الإمام القائد الذي يُنعش البلاد بعدله، والبلاد بقسطه، وينعم الجميع في دولته ورعايته؟

ومَنْ هو القائد الذي يحبه شعبه حدَّ القداسة، ويطيعونه بكل حماسة، ولا يخافون جوره لأنه عدل مع أقرب الناس إليه كأخيه وولده ونفسه التي بين جنبيه؟

ومَنْ هو القائد الذي تكون طاعته هي طاعة الله ورسوله لأن أمره لا يكون عن الهوى والشيطان الذي يعتريه؟

هذه الأسئلة وكثير غيرها مما يخطر على بال العاقل المنصف ولا يجد لها جواباً لأنه لا ولن يجد لها مثالاً بعد رسول الله (ص) إلا في وصيه وأهل بيته الأطهار الأبرار الذين هم الثقل الأصغر وعِدْلُ القرآن الحكيم الثقل الأكبر فقط فأي منهم يدَّعي غير ذلك فإنه يكذب ويدَّعي ما ليس فيه ولا له من حكام المسلمين لأنهم غرقوا في الذنوب والآثام في الجاهلية الأولى حيث عبدوا الأصنام والأوثان، وبعد توليهما السلطة والحكم خاضوا في الحرام بكل أنواعه وأشكاله لأنهم يجهلون الأحكان ولا يعرفون حدود الحلال والحرام.

الإمام والقائد الرَّباني

الإمام الرباني والقائد الرحماني هو الذي بيَّنه أهل البيت الأطهار في أحاديثهم وأقوالهم لا سيما الإمام الثامن من أئمة المسلمين علي بن موسى الرضا (ع) في حديثه مع عبد العزيز بن مسلم حيث يقول له فيه بعد بيان الإمامة وموضعها في الدنيا والدين الحنيف: (بِالْإِمَامِ تَمَامُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَتَوْفِيرُ الْفَيْ‌ءِ وَالصَّدَقَاتِ وَإِمْضَاءُ الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ وَمَنْعُ الثُّغُورِ وَالْأَطْرَافِ)، هذه منظومة العبادات في الشريعة الإسلامية المطهرة فهل يعرفها الناس أو تقام بحدودها وتفاصيلها إلا من قبل العالم بها، بل وأصول العقائد الحقَّة لا تقام وتعرف إلا بالإمام الحق كما قال الإمام الرضا (ع) لعلماء وأهل مرو حين مرَّ بهم وحدَّثهم بحديث السلسلة الذهبية، أو سلسلة الذهب، حيث قال: (سَمِعْتُ أَبِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) يَقُولُ: سَمِعْتُ اَلنَّبِيَّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَقُولُ: سَمِعْتُ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ حِصْنِي فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ مِنْ عَذَابِي)، قَالَ: فَلَمَّا مَرَّتِ اَلرَّاحِلَةُ نَادَانَا: (بِشُرُوطِهَا وَأَنَا مِنْ شُرُوطِهَا).

والإمام الحق هو الذي يعرف الأحكام بتفاصيلها، ويدعو إلى الله بدعوة رسول الله (ص) تماماً برأفة ورحمة ومحبَّة وإحسان لا بفظاظة وغلظة وعدوان، ولذا يقول الإمام الرضا (ع): (الْإِمَامُ يُحِلُّ حَلَالَ اللَّهِ وَيُحَرِّمُ حَرَامَ اللَّهِ وَيُقِيمُ حُدُودَ اللَّهِ وَيَذُبُّ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَيَدْعُو إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ‌ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَالْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ)، والداعي إلى الله يجب أن يتخلَّق بأخلاق الله لا أن يتخلَّق بأخلاق الشيطان أو يكون له شيطاناً يركبه ويعتليه، أو يكون داعياً إلى جاهلية أو عصبية أو شخصية أو قبلية وعشائرية، وإلا فكيف يكون حجة لله بالغة؟

وأما حقيقة الإمام فهو عصيٌّ على الأفهام لأن: (الْإِمَامُ كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ الْمُجَلِّلَةِ بِنُورِهَا لِلْعَالَمِ وَهِيَ فِي الْأُفُقِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهَا الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارُ، الْإِمَامُ الْبَدْرُ الْمُنِيرُ، وَالسِّرَاجُ الزَّاهِرُ، وَالنُّورُ السَّاطِعُ، وَالنَّجْمُ الْهَادِي فِي غَيَاهِبِ الدُّجَى‌، وَأَجْوَازِ الْبُلْدَانِ وَالْقِفَارِ وَلُجَجِ الْبِحَارِ)، فحقيقة الإمام أنه كالشمس الساطعة في أفق سماء الدنيا كلها فهو النور والضياء وإليه يعود الخير والبركة والنماء ولولا الإمام لساخت الأرض بأهلها، وهو الهادي للبشر في كل مكان وبدونه يضلون ضلالاً بعيداً ولا يهتدون سبيلاً سواء كانوا في البرِّ أو البحر.

و(الْإِمَامُ الْمَاءُ الْعَذْبُ عَلَى الظَّمَإِ، وَالدَّالُّ عَلَى الْهُدَى، وَالْمُنْجِي مِنَ الرَّدَى)، فهو كالماء بالنسبة للأرض، بل لولاه لما قطرت السماء، ولا اهتدى أحد لربه، ولا نجى منهم أحد من الهلكة، لأنه كالماء العذب للأرض العطشى فهو سبب وأصل حياتها وأحيائها.

و(الْإِمَامُ النَّارُ عَلَى الْيَفَاعِ‌ الْحَارُّ لِمَنِ اصْطَلَى بِهِ، وَالدَّلِيلُ فِي الْمَهَالِكِ مَنْ فَارَقَهُ فَهَالِكٌ)، فهو كالنار لطالبها ومحتاجها، وهو الدليل في الظلمات الحالكات، ولذا فمَنْ يفارقه هالك لا محالة.

و(الْإِمَامُ السَّحَابُ الْمَاطِرُ وَالْغَيْثُ الْهَاطِلُ‌، وَالشَّمْسُ الْمُضِيئَةُ، وَالسَّمَاءُ الظَّلِيلَةُ، وَالْأَرْضُ الْبَسِيطَةُ، وَالْعَيْنُ الْغَزِيرَةُ وَالْغَدِيرُ وَالرَّوْضَةُ)، فهو كالغيوم المحمَّلة بالرحمة وهو غيث وغياث أهل الأرض، وهو نوره كضوء الشمس يعطي الدفء والضياء اللازم لحياة الأحياء، وهو كالسماء التي تحمي الأرض من النيازك والأرض المنبسطة التي يسهل العيش فيها وعليها لا سيما إذا كان فيها أنواع العيون والغدران وتُشكِّل الرياض الجميلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى