Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخر الأخباراوراق المراقب

الإمام جعفر الصادق (ع) علم الأعلام ونور الأَنام

الشيخ الحسين أحمد كريمو..

الطائفة الشيعية المحقَّة كأن الله خصَّها بالنور والعلم والمعرفة لأنها تؤمن بعالم الأنوار، وأولئك الأنوار الذين خلقهم الله من نوره، وضربهم مثلاً لكلمته الطيبة ونوره في كتابه الحكيم، وذلك لأنهم اتَّبعوا وتمسَّكوا بأحاديث النور والواردة عنهم (صلوات الله عليهم)، لا سيما الحديث المشهور عن أول نور خلقه الله تعالى وهو قول جابر بن عبد الله الأنصاري الذي قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): أَوَّلُ شَيْءٍ خَلَقَ اَللَّهُ تَعَالَى مَا هُوَ؟ فَقَالَ: (نُورُ نَبِيِّكَ يَا جَابِرُ خَلَقَهُ اَللَّهُ ثُمَّ خَلَقَ مِنْهُ كُلَّ خَيْرٍ).

وأما الإمام السادس جعفر بن محمد (صلوات الله عليهما) فيقول: (إِنَّ اَللَّهَ كَانَ إِذْ لاَ كَانَ فَخَلَقَ اَلْكَانَ وَاَلْمَكَانَ، وَخَلَقَ نُورَ اَلْأَنْوَارِ اَلَّذِي نُوِّرَتْ مِنْهُ اَلْأَنْوَارُ، وَأَجْرَى فِيهِ مِنْ نُورِهِ اَلَّذِي نُوِّرَتْ مِنْهُ اَلْأَنْوَارُ، وَهُوَ اَلنُّورُ اَلَّذِي خَلَقَ مِنْهُ مُحَمَّداً وَعَلِيّاً فَلَمْ يَزَالاَ نُورَيْنِ أَوَّلَيْنِ إِذْ لاَ شَيْءَ كُوِّنَ قَبْلَهُمَا، فَلَمْ يَزَالاَ يَجْرِيَانِ طَاهِرَيْنِ مُطَهَّرَيْنِ فِي اَلْأَصْلاَبِ اَلطَّاهِرَةِ حَتَّى اِفْتَرَقَا فِي أَطْهَرِ طَاهِرِينَ فِي عَبْدِ اَللَّهِ وَأَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ).

وأمَّا اَلْمُفَضَّلِ فأَنَّهُ سَأَلَ اَلصَّادِقَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): مَا كُنْتُمْ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اَللَّهُ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرَضِينَ؟ قَالَ: (كُنَّا أَنْوَاراً حَوْلَ اَلْعَرْشِ نُسَبِّحُ اَللَّهَ وَنُقَدِّسُهُ حَتَّى خَلَقَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ اَلْمَلاَئِكَةَ)، فعالم الأنوار مُنار بنور محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين الذين وساطة العقد فيهم الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) الذي ملأ الدنيا وشغل الناس منذ ثلاثة عشر قرناً من عمر الزمن، وذلك لأنه النور الذي أضاء الكون بحضوره الشريف وحياته المباركة وعطائه العلمي غير المحدود.

فالإمام الصادق (ع) هو ذلك الإمام الذي كان أطول آل البيت عمراً، وكان في عمره مباركاً بشكل منقطع النظير وكأن الآية الكريمة العيسوية جرت على لسانه الشريف منذ أن خلقه الله تعالى في هذا العالم: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ) فالبركة أحاطت به في حياته وبعد شهادته ولذا تجده إلى اليوم وبعد هذه القرون المتطاولة يبسط مائدته العلمية في طول البلاد وعرضها وجميع طلاب العلم يجلسون وينهلون من تلك المائدة الربانية النورانية وكل منهم يأخذ منها بغيته وحاجته للدنيا والآخرة، فأي بركة تلك سيدي ومولاي يا أبا عبد الله كانت حياتك المعطاءة؟.

الإمام الصادق (ع) نور الأنام

ومَنْ يطَّلع أو يقرأ تأريخ الإسلام يجد بشكل واضح لا لبس فيه أن الإمام الصادق كان من أولئك الأنوار الرَّبانية التي تتصل بالنور المحمدي الأول الذين وصفهم الإمام العاشر علي الهادي (ع) في زيارته الجامعة لهم بقوله: (وَأَنَّ أَرْوَاحَكُمْ وَنُورَكُمْ وَطِينَتَكُمْ وَاحِدَةٌ طَابَتْ وَطَهُرَتْ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، خَلَقَكُمُ اَللَّهُ أَنْوَاراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقِينَ حَتَّى مَنَّ عَلَيْنَا بِكُمْ فَجَعَلَكُمْ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اَللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اِسْمُهُ)، والإمام السادس منهم هو دُرّةَ الوسط لعِقد الإمامة، ولذا تراه متألقاً في حياتهم المباركة ومميَّزاً ومنوراً في نوره وعطائه في هذه الأمة.

وصدق مَنْ قال: “كان الإمام الصادق (ع) حقاً مناراً من منارات النبوة، ومعلماً من معالم الإمامة، ومناراً للعلماء الربانيين، في الوقت الذي النفوس فيه مظلمة، والإمامة المعتصمة بالعصمة محاصرة، حمل الإمام الصادق (ع) مشعل الهداية وجعلها متَّقدة ليتمَّ نورها وينشرها، وقد أبانَ بأقواله وأعماله وسلوكه وأخلاقه الطريق لكل ذي عينين، وبيَّن الحقيقة لكل مَنْ ألقى السَّمع وهو شهيد..

الإمام الصادق (ع) عَلَمُ الأعلام

في تلك الحقبة السوداء التي كاد نور الإسلام أن يُطمس ودينه أن يدفن بما فعله بنو أمية فيها، هيَّأ الله لها ذاك الإمام العظيم محمد الباقر (ع) فبقر علوم الأنبياء والأوصياء وأحيى علومهم في العالمين، ولكنهم استشعروا خطره لا سيما بعد أن استدعوه وولده الإمام الصادق (ع) إلى الشام ليبطشوا فيهما ولكن حكمة الإمام وعلمه أفشلا مخططهم فأعادوهم إلى المدينة المنورة رغماً عنه بقصة طويلة في كتب التأريخ حيث أراهم الإمام الباقر عجائب العلوم، وبدائع الأحكام في الطريق فحقدوها عليه فدسُّوا له السَّم فذهب إلى ربه شهيداً شاهداً على ظلمهم وشرهم وحقدهم.

أي عظمة وجامعة في ذلك العصر أنشأ الإمام الصادق (ع) لأنه الجامع للعلوم التي فجَّرها وبقرها والده العظيم فعن عَبْدِ اَلْأَعْلَى وَعُبَيْدَةِ بْنِ بِشْرٍ قَالاَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) اِبْتِدَاءً مِنْهُ: (وَاَللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا فِي اَلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي اَلْأَرْضِ، وَمَا فِي اَلْجَنَّةِ وَمَا فِي اَلنَّارِ، وَمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ إِلَى أَنْ تَقُومَ اَلسَّاعَةُ، ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ: أَعْلَمُهُ عَنْ كِتَابِ اَللَّهِ أَنْظُرُ إِلَيْهِ هَكَذَا ثُمَّ بَسَطَ كَفَّهُ وَقَالَ: إِنَّ اَللَّهَ يَقُولُ: (فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ).

وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (ع): (أَنَّ اَللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً نَبِيّاً فَلاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ أَنْزَلَ عَلَيْهِ اَلْكِتَابَ فَخَتَمَ بِهِ اَلْكُتُبَ فَلاَ كِتَابَ بَعْدَهُ أَحَلَّ فِيهِ حَلاَلَهُ وَحَرَّمَ فِيهِ حَرَامَهُ فَحَلاَلُهُ حَلاَلٌ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ وَحَرَامُهُ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَفَصْلُ مَا بَيْنَكُمْ، ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ وَقَالَ: نَحْنُ نَعْلَمُهُ).

هذا عن بقية أنواع وأصناف العلوم التجريبية والهيأة والنجوم والهندسة، والطبيعة وكروية الأرض، وغيرها من العلوم التي كانت من إبداع الإمام الصادق (ع) هذا ماعدا العلوم الإسلامية والشرعية بكل صنوفها وأنواعها في العربية والفقهية والتفسيرية، إذًا كما وصفه العلماء الأعلام بوصف لم يوصف به غيره، قال الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد: (نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الرُّكبان، وانتشر ذكره في البلدان، ولم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نُقل عنه، ولا لقي أحد منهم من أهل الآثار ونقلة الأخبار، ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد الله (عليه السلام)، فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات، على اختلافهم في الآراء والمقالات، فكانوا أربعة آلاف رجل).

والحافظ بن عقدة الزيدي جمع في كتاب رجاله: (أربعة آلاف رجل من الثقات الذين رووا عن جعفر بن محمد، فضلاً عن غيرهم، وذكر مصنفاتهم).

وقال المحقق (رحمه الله) في المعتبر: (انتشر عن جعفر بن محمد (عليه السلام) من العلوم الجمة ما بهر به العقول). (المعتبر في شرح المختصر: ج1 ص26)، وروى عنه راوٍ واحد وهو أبان بن تغلب ثلاثين ألف حديث، روى النجاشي في رجاله بسنده، عن الصادق (عليه السلام)، أنه قال: (أبان بن تغلب روى عني ثلاثين ألف حديث)، وروى النجاشي في رجاله بسنده، عن الحسن بن علي الوشاء ـ في حديث ـ أنه قال: (أدركت في هذا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ، كل يقول: حدثني جعفر بن محمد).

فهذا شيء خارج عن الوسع الإمكان البشري فعلاً هذا إذا عرفنا أن الإمام الصادق نشأ وترعرع في بيت أبيه الإمام الباقر (ع) ولم يتعلم في مدرسة، ولا اشتهر في التأريخ أنه تلقى الدروس من أحد العالمين فمَنْ الذي علَّمه، ومن أين جاء بكل هذا البحر القمقام والمحيط الطمطام من العلم الذي لا يساحل ولا يجادل، فإنه من علم الله علمه دون شك أو ريب، وهذا ليس بدعاً من الأنبياء والرسل الكرام فإن الله علَّمهم من عنده ومن علمه وهو الذي آتاهم كما وصف الكثيرين منهم في كتابه الحكيم، كقوله بحق نبي الله يعقوب: (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).

وبحق العبد الصالح الذي امتحن به كليم الله موسى (ع): (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا) (الكهف/65)، ولذا اصطلح العلماء على هذا العلم باللدنِّي، أي أن علم هؤلاء الكرام ليس بالدِّراسة بل اكتسبوه بالوراثة، وهو الذي قال: (لَيْسَ اَلْعِلْمُ بِكَثْرَةِ اَلتَّعَلُّمِ وَإِنَّمَا هُوَ نُورٌ يَقْذِفُهُ اَللَّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِ مَنْ يُرِيدُ اَللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى