اخر الأخباراوراق المراقب

مبادئ أهل البيت (عليهم السلام)

حسن الهاشمي   ..

الذي يتوخى رضا الله تعالى في كل حركاته وسكناته ومعاملاته وعباداته يكون قد رمّم نظامه الاجتماعي وجعله كالبنيان المرصوص، بل أقوى من الجبال الراسيات فإنها قد يُنال منها بيد أن عزيمة المؤمن المرتبط بالله تعالى لا يمكن النيل منه ولو بمقدار اُنملة، رضا الله عنوان جميل يدفعك نحو أعمال البر والخير والاحسان، يضبط إيقاعك في تحركك ضمن نطاق المجتمع، يقطع دابر الاثم والعدوان والتعدي والابتزاز والربا والرشوة وغيرها من الموبقات من جذورها؛ لأن المؤمن يعتقد بما وعده الله له ولا سيما في الحياة الباقية في قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

لكن كيف يصل الانسان الى رضوان الله تعالى، وهي غاية الغايات من الخلق والوجود الانسان كلما اقترب من الله تعالى عن طريق العبادة والاستغفار والتوبة والإنابة، كلما حاز على مرتبة الاقتراب من رحمته ورأفته ورضوانه، وهذا بطبيعة الحال سيجعل منه كتلة ملتهبة من العطاء والخدمة والوفاء، تراه يطبق الاحكام المقومة للروابط الاجتماعية بحذافيرها طمعا برضا الله تعالى وخوفا من سخطه، وأول ما يتصف به في هذا المجال التواضع الذي من خلاله يكسب ودّ القريب والبعيد والغني والفقير والوضيع والشريف، فإن التواضع ما وضع على شيء إلاّ زانه وما زال عن شيء إلاّ شانه، ليس هذا فحسب بل إنه يشمّر عن ساعديه ويمدّ يد العون والمساعدة الى عيال الله الفقراء وينتشلهم من واقعهم المزري الى واقع يليق بإنسانيتهم واعتبارهم ويحفظ عزهم وكرامتهم، وهذه المساحة التي يتحرك الساعي الى رضا الله تعالى من خلالها قد أشار اليها وعمل بها أهل البيت عليهم السلام وهي جديرة بالاقتداء للنجاة من فتن الدنيا ومغرياتها الماحقة، نشير هنا الى قول الإمام علي (عليه السلام): (ثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله: كثرة الاستغفار، وخفض الجانب، وكثرة الصدقة).

هذه العلاقة الاجتماعية لا يمكن أن تبلغ أوجها في العطاء والازدهار إلا من خلال التعرّف إلى منهج أهل البيت وتكريسه في حياتنا اليومية، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: (رحم الله عبدا أحيا أمرنا فقلت له: وكيف يحيى أمركم قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا قال: قلت: يا بن رسول الله فقد روى لنا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: من تعلم علما ليماري به السفهاء أو يباهي العلماء أو ليقبل بوجوه الناس إليه فهو في النار، فقال عليه السلام: صدق جدي عليه السلام أفتدري من السفهاء فقلت: لا يا بن رسول الله قال عليه السلام: هم قصاص مخالفينا أو تدري من العلماء فقلت: لا يا بن رسول الله (ص) فقال: هم علماء آل محمد عليهم السلام الذين فرض الله طاعتهم وأوجب مودتهم ثم قال: أو تدرى ما معنى قوله: أو ليقبل بوجوه الناس إليه فقلت: لا فقال عليه السلام يعنى وبذلك ادعاء الإمامة بغير حقها ومن فعل ذلك فهو النار).

إحياء الأمر لا يقتصر على إبداء العواطف والمشاعر كما يحصل في مواقع التواصل الاجتماعي أو اقامة الاحتفالات، علما أن هذه الأمور جيدة ومهمة ولابدّ من ممارستها، ولكن الأهم من ذلك كله هو التعرّف إلى علوم أهل البيت عليهم السلام ونشرها في الآفاق، ان تكون السيرة الواقعية لكل واحد منا تمثّل خط أهل البيت، ولو ان الناس اطلعوا على هذا النهج القويم لاتبعوا اهل البيت وضمنوا لهم حياة هانئة بعيدا عن نهج الطغاة الذين يحاربون وما زالوا هذا النهج لما فيه من قيم راقية في الانتصاف للمظلوم ومحاربة للظالم في كل زمان ومكان.

نهج الامام الحسين عليه السلام هو نبراس لكلّ حرّ في هذه الدنيا، اذ إنه حفظ بدمه الطاهر الصوم والصلاة والزكاة وبقية العبادات، واضحى أيقونة عالمية لرفض الظلم والجور اينما حلّ وارتحل، لان القوم حاولوا ان يعيدوها جاهلية أولى بيد أن الحسين عليه السلام حال بينهم وبين ما ارادوا فأبقى للإسلام جذوة الحق ومشعل الهداية، تمهيدا لعلاقات اجتماعية راقية تعالج كل آفة تحاول ان تقوّض لَبِنات المجتمع المتماسك، واول ما التجأ لتحقيق ذلك الاعتناء بالحلقات الضعيفة في الأسرة وهي المرأة واليتيم والطفل، لتوفير بيئة مطمئنة في نشوء عائلة يسودها الحب والاحترام والرقي والانسجام، والارتقاء لهذه العلاقة النموذجية يُعدّ إحياء لأمرهم (عليهم السلام) وهو موجب للرحمة الالهية التي نتوق إليها جميعاً، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (اتقوا الله في الضعيفين: اليتيم والمرأة فإن خياركم خياركم لأهله).

 تعاليم أهل البيت في المودة والانسجام والمعروف لا تقتصر على الأسرة فحسب، بل تعدت ذلك الى المجتمع، فإنها تؤكد ضرورة الابتعاد عن الخصومات والمهاترات والضغائن وكل ما من شأنه أن يعكّر صفو الحياة الحرّة الكريمة البعيدة عن كل كره وحقد وإِحَن يعتور النفوس المريضة، ويستبدل الخصومة الى الصداقة والحقد الى العفو، والانتقام الى التعايش، والنفاق الى المحبة والتآخي والوفاق، عن الإمام الباقر (عليه السلام): (إياكم والخصومة، فإنها تفسد القلب وتورث النفاق).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى