جاؤوا على غيرة من ضفة النخل

قاسم العابدي
جاؤوا علىٰ غيرةٍ من ضفَّةِ النخلِ
يستمطرونَ ترابَ الضيمِ بالنُّبلِ
جاؤوا وفي كفّهمْ ميثاقُ نخوتِهم
حتىٰ التجاعيدُ فيهمْ حلوةُ الشّكلِ
شدو حزام الفراتيين وامتشقوا
بنادق الصبرِ في سِفرٍ من العَدلِ
يستفتحُ الفجرُ فيهمْ ثغرَ بسمتهِ
ويأخذُ الليلُ منهمُ روعةَ الكُحلِ
هم يصنعونَ منَ الأضلاعِ جسرَ هوىً
ولا يردون كيد الظّلمِ بالمثلِ
فهم مواويلُ أوطانٍ تموسقُها
على مقام عراقٍ نشوةُ الأصلِ
يستنطقونَ النّدى ٰمن بعدِ لمستهِ
فيستجيبُ لهمْ في لمسةِ القَبلِ
تعثَّر الدهرُ فيهمْ حينَ شاكسَهمْ
فلقّنوا دهرَهمْ ترنيمةَ الرُسلِ
أصواتُهم نسمةُ القرآنِ تحملُها
بسورةِ الصّفِّ كانتْ لهجةُ الفصلِ
وبلسمتْ موطنَ التأريخِ نهضتُهم
حتّىٰ وشتْ عنهُمُ إيماءةُ النّحلِ
قمصانُهم لمْ تزلْ بالصّبرِ موقنةً
فأشجَروهَا علىٰ تسريحةِ الخيلِ
والسمرةُ الأوقدوا في الارضِ نبتتَها
قدْ تستفزُّ سماءَ النَّصرِ بالهَطلِ
كانوا كسيناءَ حينَ الحقُّ كاشفَهَمْ
تسمو بهم ذاتُهم بالقولِ والفعلِ
أجفانُهم هدهدَتْ للنجمِ لحظتَهُ
وغيرُهمْ كانَ يحكي سيرةَ البُخلِ
يا قصة َالنّزفِ تتلوهَا مواقفُهمْ
على السّواترِ خطّوا نشوة َالبَذلِ
هم يفتحونَ قلوبَ الصخرِ، ترقبهمْ
مدائنٌ ارهقتْها ضغطةُ القُفلِ
وهمْ خرائطُ كنزٍ ليسَ يقرؤها
إلّا الّذي جاءَ نحوَ الحبِّ بالكِفلِ
توهّجَ الوطنُ الغافي بصدرِهمُ
فأصبحوا للعراقِ اليومَ كالظلِ
ستوقظُ العشبَ يا نجوىٰ ملامحِهم
ويضحكُ الوقتُ فيهم ضحكةَ الطفلِ
وينشبونَ بجسمِ الضّوءِ راحتُهمْ
فيُعدلونَ بضوءٍ كفّةَ المَيلِ
كلّ القراطيسِ لا تحصي مواقفَهم
وكيفَ تحصي لغاتٌ وقفةَ النخلِ.



