“سقوط حر”..محاكمة فنية لما يحدث في المجتمعات العربية

“سقوط حرّ” مسرحية مقتبسة عن نص “ميراث الريح” (1955) لجيروم لورانس وروبرت لي،المخرج محمد فرج خشاب، حاول في هذا العمل ، أن يكون أكثر قربا والتصاقا وتأثيرا في الجمهور، فنهل من عدة مدارس، حيث استحضر بريشت في دخول الممثلين وتحرك الراوي، وركّب في ديكوره وفي السينوغرافيا عرضا يتماشى مع المسرح الدائري، حين استدعى الجمهور ليجلس على يمين فضاء المحكمة ويساره وأمامه في المدارج كما قدم في قاعة الريو، ويصبح بذلك هذا الجمهور جزءا من المحاكمة ومشاركا فيها، خاصة وأن شخصية الصحافي في هذا العمل اصطفت مع الجمهور الذين مثلوا بمشاركتهم هذه على الخشبة “المحلفين”.
وبالفعل، بمجرد دخولك العرض تشعر وكأنك في قاعة محكمة، بيد أن من يحاكم اليوم هو الفكر الحرّ والعلم، هو المعلم والمربي، حالة استنفار كبرى بين الفكر والقيود وبين حرية التفكير والعلم من ناحية وبين القانون والمناهج التعليمية من ناحية أخرى. وكأن هذا العمل المسرحي الذي يعرض شخصيات متخيلة من قصة واقعية في الولايات المتحدة، يتحدث عن الآن وهنا في المجتمعات العربية وينتقد بطريقة غير مباشرة التعليم في مجتمعاتنا وقد سطرته القوى الغربية وخاصة منها القوة الأكبر التي من داخلها ولدت القصة الحقيقية لهذا العمل.
في مسرحية “سقوط حرّ” المصرية يشدّك ذلك الصراع النفسي والفكري، وذلك الصراع الفلسفي بين المقدس والعلمي، في مراوحة مدروسة بين التراجيدي العميق الذي يجعلك تعيد التفكير والتساؤل والكوميدي الذي يجعلك تسخر من القوانين والمقدسات التي تقيد حرية التفكير والتعبير، وتمنع الاجتهاد والتطوير والتفكير، كل ذلك في محاكمة.
كل الشخصيات “مركبة” من الشخصية الرئيسية المتهم المعلم برترام كيتس الذي نجح في أدائها باقتدار الممثل أحمد أبوزيد إلى محاميه المتطوع هنري دراموند هذه الشخصية التي أبدع في أدائها الممثل مصطفى عسكر، والذي شكل مع زميله (هاني الطمباري) المدافع عن الحق العام ضد المتهم، ثنائيا رائعا في إبراز هذا الصراع المشحون، والذي قاطعته بهدوء درامي لافت مشاهد عبور الطفلين أو التلميذين اللذين تكفي شهادتهما منطقيا لا قانونيا لتبرئة معلمهما، على عكس شهادة مدير المدرسة التي كانت أيضا مشحونة نفسيا مبرزة التمزق الداخلي لهذه الشخصية، رغم محاولة إدانتها للمتهم.



