الجفاف يحاصر الخطة الزراعية الشتوية واتفاقية الماء تأتي متأخرة

آلاف الأطنان من المحاصيل مهددة بالضياع
المراقب العراقي/ أحمد سعدون..
تشكل أزمة المياه في العراق تحدياً مستمراً يؤثر على القطاعات الحيوية، وأبرزها القطاع الزراعي الذي يعتمد اعتماداً مباشراً على الموارد المائية، وفي هذا السياق، أثار توقيع الاتفاقية الأخيرة بين العراق وتركيا لتنظيم حصص المياه، تساؤلات واسعة حول توقيت تنفيذها وفعاليتها في معالجة الأزمة، خصوصاً مع اقتراب الموسم الزراعي الشتوي.
الاتفاقية التي وُقعت جاءت متأخرة نسبياً، إذ كان من المفترض تفعيلها خلال موسم الصيف، الذي يشهد ذروة الطلب على المياه لري الأراضي الزراعية كما أن الحكومة اتخذت قراراً بتقليص الخطة الشتوية وإلغائها في بعض المحافظات، هذا التأخير يضع العراق أمام مخاطر فقدان آلاف الأطنان من المحاصيل الشتوية الأساسية، ويهدد جهود إحياء القطاع الزراعي الذي يعاني أصلاً سنوات من شح الموارد المائية بسبب انخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات وتأثيرات المناخ والسياسات المائية الإقليمية.
وفي الوقت ذاته أشار مختصون بالشأن الاقتصادي إلى أن تأخير تنفيذ الاتفاقية أدى إلى آثار مباشرة على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي العراقي، حيث إن نقص المياه قلص المساحات المزروعة وخفض الإنتاجية، ما انعكس سلباً على أسعار المواد الغذائية وزاد معاناة المزارعين، محذرين من أن استمرار هذا النقص قد يعرقل خطط الحكومة في دعم الزراعة المحلية وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الشتوية في الموسم المقبل.
هذا ويثير توقيع الاتفاقية تساؤلات حول مدى التزام الجانب التركي بتنفيذ بنودها، خاصة في ضوء التجارب السابقة التي شهدت توقيع عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم لم تنفذ على أرض الواقع.
ولفت المختصون الى أن هذه الاتفاقية قد تؤدي إلى آثار سلبية على الاقتصاد والزراعة العراقية لعدة جوانب منها ، قد تركز الشركات التركية على المشاريع الأكثر ربحية، متجاهلة المشاريع الحيوية في المناطق الأكثر احتياجاً للمياه، كما أنها قد تتأخر بتنفيذ المشاريع الأساسية أو تنفذ جزئياً، كما حدث في اتفاقيات سابقة، بالإضافة الى أن بنودها المعلنة ستُبقي العراق يعتمد على تركيا ليس فقط في المياه نفسها، بل في تحديد الأولويات والتمويل، ما يعزز وضعية الجانب التركي كمحدد للسياسات المائية.
وأشاروا الى أن تسليم زمام المبادرة بهذا الشكل قد يضر بالإنتاج الزراعي ويهدد خطط الأمن الغذائي الوطني، مؤكدين أن أي تأخير أو تقليص في حصص المياه المخصصة للزراعة قد يؤدي إلى فقدان آلاف الأطنان من المحاصيل الشتوية، ويزيد الاعتماد على الاستيراد، ويرفع الأسعار ويضغط على ميزانية الدولة.
وفي ذات الشأن بين الخبير الاقتصادي د. فالح الزبيدي في حديث لـ”المراقب العراقي”، أن “الاتفاقية الأخيرة بين العراق وتركيا بشأن المياه جاءت في ظل اعتماد العراق الكبير على المصادر المائية القادمة من الجانب التركي، مشيراً إلى أن نحو 50% من مياه نهري دجلة والفرات تأتي من تركيا، ما يجعل البلاد مُعرَّضة لانخفاض حاد في الإطلاقات المائية”.
وأضاف الزبيدي أن” شح المياه في العراق تسبب بخسائر كبيرة في القطاع الزراعي والثروة الحيوانية، خاصة في مناطق الأهوار، بالإضافة إلى نفوق أعداد كبيرة من الأسماك والجاموس والطيور التي تعتمد على هذه الموارد، مشيرا الى أن تقليل الإطلاقات المائية أدى الى جفاف العديد من الجداول وتسبب بأضرار واسعة في البساتين، خصوصاً في ديالى والمناطق الأخرى.
وأوضح الزبيدي، أن “الاتفاقية تتضمن قيام شركات تركية باستثمار الموارد المائية العراقية من خلال إقامة سدود وخزانات، وإدارة الموارد المائية مقابل النفط، موضحاً أن هذه الآلية تمنح تركيا زمام المبادرة في تنفيذ المشاريع وإدارة المياه في العراق”.
وأشار إلى أن” هذه الخطوة قد تعالج مشكلة شح المياه بشكل جزئي فقط، محذراً من أن استمرار الاعتماد على هذا النموذج قد يترك العراق في موقف ضعيف، ويحد من قدرته على إدارة ملف المياه بشكل مستقل، أملاً في أن توفر هذه الاتفاقية استدامة في الموارد المائية لتلبية احتياجات الزراعة والاستخدامات الأخرى.
ويبقى الملف المائي بين العراق وتركيا حساساً واستراتيجياً، والاتفاقية الأخيرة خطوة مهمة لكنها غير كافية لمعالجة شح المياه بشكل كامل، ونجاحها يعتمد على الالتزام الفعلي بتنفيذ المشاريع وضمان وصول المياه إلى المناطق الأكثر حاجة، وإلا فإن العراق سيظل معرضاً لخطر تراجع الإنتاج الزراعي وارتفاع خسائر الثروة الحيوانية، ما يضع البلاد أمام تحديات اقتصادية وغذائية كبيرة حسب رأي خبراء المياه.



