مزايا الاختلاف الإيجابي ورزاياه السلبية

الاختلاف حالة طبيعية مُدرَجة ضمن طبائع الإنسان، أي أنه حالة فكرية سلوكية موجودة مع الإنسان منذ الولادة، وتبقى معه حتى نهاية الحياة، ولا يمكن تحييدها أو إيقاف تأثيراتها في سلوكيات وآراء الناس، بل يميل الإنسان إلى الاختلاف حتى يجعل له مكانة يتميز بها من خلال اختلافه عن الآخرين، وهذا ما أطلق عليه المهتمون (التغريد خارج السرب)، أو (التفكير خارج الصندوق)، ومن الواضح أن الاختلاف هنا ميزة للإنسان وليس العكس.
فقد تكون حالة الاختلاف إيجابية، لاسيما عندما يفكر الإنسان بطريقة مختلفة عن الآخرين الذين ينتمون إلى بيئته الاجتماعية نفسها، فهناك تأثير كبير للعادات التي يتناقلها الناس عن بعضهم، تجعلهم يفكرون بطريقة واحدة، ويتعاملون مع الأشياء والأحداث برؤية واحدة ورأي واحد، ولهذا قد يكون الرأي المختلِف ميزة وليس نقصا أو تراجعا في التفكير.
أما سبب الرفض الذي يواجه الاختلاف فيعود إلى قلة الوعي، وإلى ضيق سعة الصدر، ولهذا يُنظَر إلى الإنسان ذي الرأي المختلف بأنه لا ينتمي إلى الجماعة، وتُعَد هذه مثلبة عليه، لكن قد يكون الرأي المختلف مفيدا، لهذا قيل (إذا اختلفت الآراء صحَّتْ).
وقد يكون الاختلاف سببا في إثارة أحقاد الآخرين على الإنسان المختلِف، حيث يتعامل معه الآخرون بعنف وخشونة، سواء في اللفظ أو حتى بالقوة، لهذا يتم رفض الاختلاف، ويتم التعامل مع المختلِف وكأنه خارج عن رأي الجماعة، أو خارج عن الرأي السائد الذي يتفق معه الكل، لهذا غاليا ما يكون الاختلاف مرفوضا من قبل الآخرين.
تحييد العنف ورفض الخشونة
لكن هذا السلوك ليس صالحا على الدوام، فقد تكون حالات الاختلاف صحية ومفيدة، بل كلما اختلفت الآراء، كانت فائدتها أكثر، بشرط تحييد العنف ورفض الخشونة، وطرد الأحقاد والتطرف، وبحث الآراء بحيادية، ووفقا للمصلحة العامة، أما رفض الرأي المختلف بسبب التطرف والانحياز للرأي السائد، فلا يقود إلى النتائج المحمودة، من هنا يجب قبول حالة التنافس بين الآراء المطروحة، وصولا إلى الرأي الأكثر فائدة للناس.
ولهذا على الرأي أو السلوك أو النظرة المختلفة أن تكون إيجابية وليست سلبية، وغالبا ما يؤدي الاختلاف الإيجابي إلى التنافس العادل الذي يقوم على ضوابط معروفة سلمية التوجّه، لأن الاختلاف الإيجابي لا يقود الناس المختلفة إلى التناحر أو التصادم، بل على العكس من ذلك، يكون الاختلاف الإيجابي مدعاة للسلوك السلمي.
هناك إمكانية واضحة لاستثمار الاختلاف في الآراء، تحصل من خلال استعراض الآراء المختلفة بحيادية ورويّة، وإبعاد التسرّع والتزمت والتشبث بالرأي الخاص على حساب الآراء الأخرى، بل لابد من أن يُسمح لجميع حالات الاختلاف أن تتبارى فيما بينها في إطار ضوابط تنافسية موضوعة مسبقا ويكون الاحتكام إليها في تحديد الأفضلية.
لذلك من الأفضل أن يُسمَح للآراء تتضارب وتختلف وتتبارى، وسوف تكون خلاصة هذا التضارب والاحتدام بين الآراء الوصول إلى الحالة الأفضل، أو الرأي الأمثل من بين جميع الآراء المتنافسة، وقد ورد هذا المعنى الكثير من الأحاديث والمقولات المأثورة.
التعاطي مع الآراء المختلفة بإيجابية
ونظرا للفائدة العظيمة التي يمكن أن يجنيها الناس من حالات الاختلاف الإيجابي، فإنها من الأفضل أن تكون فكرا وسلوكا جماعيا، حتى يتم التخلص من الاختلاف السلبي في المجتمع، لأننا غالبا ما نلاحظ أن المجتمعات المتأخرة مشبعة بحالات الاختلاف السلبي، ومتشاحنة ومحتدمة فيما بينها، مما يفوّت عليها فرص التقدم ومواكبة روح العصر.
على سبيل المثال نلاحظ أن الدول التي تحكمها أنظمة سياسية أحادية الفكر، أنظمة الحزب الواحد، تقود تلك الدول بالقوة والعنف وفرض الرأي والفكر الأحادي بالإكراه، وعدم السماح للأفكار والآراء المختلفة بأداء دورها في معالجة شؤون الناس وإدارة حياتهم، بما في ذلك سياسة الدولة التي يتم إخضاعها بشكل كامل للرأي الحزبي الواحد، لهذا تكون فرص الفشل والسقوط أكثر بكثير من فرص التطور والتقدم إلى أمام.



