التشكيلي سامان بكر يستعيد ذكريات أنفال الطاغية المقبور بلوحات دامعة

المراقب العراقي/ المحرر الثقافي…
يرى الناقد رحيم يوسف أن الفنان التشكيلي سامان بكر سعيد المولود في محافظة كركوك عام 1968 تمكن عبر رحلة طويلة وشاقة ، من إثبات وجوده في خارطة التشكيل العراقي ، وذلك من خلال مجموعة من المعارض الشخصية التي وصلت الى أحد عشر معرضا بالإضافة الى عدد كبير من المشاركات في المعارض الجماعية التي اُقيمت داخل وخارج البلاد وصلت الى اكثر من مئة وعشرين معرضا جماعيا ، وعلى الصعيد الخارجي كانت له مساهمات في معارض اُقيمت في المانيا وهولندا و مصر و الاردن و تونس و صربيا و إيران.
وقال يوسف في قراءة نقدية خص بها ” المراقب العراقي”: “في تجربة التشكيلي سامان بكر ثمة تحولات عديدة غير أنها تصب في ذات المسعى الذي يطمح من خلاله لإنجاح تجربته الفنية بغية تأصيلها وتميزها عن مثيلاتها من التجارب التي يعمل بها من يحيطون به ، على الرغم من تعدد المسارات الاسلوبية التي يعمل من خلالها فهو ينتقل بين الواقعية والتعبيرية بذات الرشاقة التي يتنقل بها بين الرسم والنحت وبنفس القدرات والفاعلية وتلك مسألة ليست بالسهلة إطلاقا انما من خلال التجريب الذي مارسه طويلا عبر الرسم والنحت على اعتبار أن التجريب من اهم اولويات الفنان المُجد “.
وأضاف : إن ” سامان طور أسلوبيته عبر المزج بين اكثر من مسار فني في السطوح التصويرية كما سنبين في هذا السياق وهي مهمة ليست سهلة على الإطلاق والتي تتضح فيها اشتغالاته اللونية المميزة ، والتي يميل فيها الى استخدام مكثف للون في اكثر من جزء من أجزاء السطح التصويري”.
وبين : أن “البيئة الحاضنة تشكل مؤثرا رئيسيا في عمل الفنان التشكيلي لأنها تكون الجزء الاكبر من مخزونات ذاكرته التي يستعيدها لاحقا لأنها تتماهى كليا مع خياراته الفنية فتشكل داعما جماليا لعمله ، من هنا أن اعمال الفنان سامان الواقعية التي تشكل الطبيعة العصب الاساس لها تتطابق بين واقعها كوجود مع ما يستدعيه من الذاكرة فهي لا تتشابه مع وجودها المادي القائم “.
وتابع :إن ” الفنان حين يحمل خطاب الهم الجمعي لابناء جلدته فأنه لن يعبر عن المآسي التي عاشوها فحسب ، بل سيعيشها هو مجددا مُستعيدًا تلك الاحداث لحظة بلحظة شاعرا بمرارتها مع أنها لم تُنسَ وبقيت تحتل الحيز الاكبر في ذاكرته ، فالفنان يمثل الضمير الجمعي ولذلك يجسد تلك الاحداث عبر المسارات الفنية التي يتخذها مجالا لعمله الفني مستعيدا تلك الاحداث بلغة جمالية صرفة غير انها مشوبة بالمرارة والالم ، هذا ما جال في خاطري وانا أتأمل اعمال الفنان التعبيرية ذات الرمزيات الكبيرة التي تجسد البعض من المآسي التي مرت على الأكراد في عمليات الإبادة المنظمة التي تعرضوا لها لسنوات طويلة” .
وواصل:” إن سامان يتذكر أم احمد بعد ان عادت حية بأعجوبة بعد انتهاء عمليات الانفال ، وهذا التذكر توازى مع دهشتي حين شاهدت وللمرة الاولى تجمعا سكنيا للأكراد بمنطقة صحراوية في الرمادي ، ولم يتمكن من تخيل حجم الالم الذي يجتاح روحها وهي تحدثه عما مرت به حينما كان الصباح يمثل لها موتا مؤكدا هي ومن تحب وتنتمي ومع الالم الذي ظل مكدسا في روحها الى الابد وبقيت آثار الصخور على قدميها تروي قصة هروبهم عبر التعرجات الصخرية وهم حفاة سعيا باتجاه الحياة هربا من موت مؤكد ، فأنْ تصحو على صوت أحذية الجند وهي تقتلع باب بيتك لتجد نفسك في اليوم التالي مرميا في محافظة الانبار في صحراء لم تتخيل وجودك فيها يوما ما ، او أن تتحول السماء الصافية التي تعرفها الى عدو لك دون سابق إندار لتمطر عليك الموت ببساطة شديدة عبر القذائف والغازات السامة ، او تدفن حيا في حفرة انت وأبناؤك في صحراء السماوة وانت تنظر باتجاه ذات السماء التي كانت رحيمة من قبل يحيط بك جنود غلاظ بلا رحمة او شفقة “.
وأكمل إن”كل هذه الآلام الجماعية تشكل عامل ضغط على الضمير الحي ، ولابد من تجسيد هذا الالم عبر أعمال فنية ، فهي من جهة تُعد توثيقا بصريا لمآسي شعب محروم من الحرّية حتى الآن ، ومن جهة أخرى سعى عبر لغة التشكيل لإيصال الالم الكردي الى آذان الآخرين ،وقد تمكن من ذلك على أكمل وجه في التجارب التي بثها للمتلقي” .



