اخر الأخباراوراق المراقب

مواكبة التطور.. قضية المسلمين

من القضايا المهمة التي لابدَّ أن نتنبّه لها هي قضية مجاراة الأمم الأخرى، وهي تغذي السير نحو القمة، لذلك لا يصح أن نتعامل مع هذا العصر بأدوات وخطط وأفكار لا تتناسب مع هذا التسابق والتنافس الحاد فيما بين البشر، لكي يحتلوا الصدارة، فمن طبيعة الإنسان، أن يتفوق على أقرانه جميعا، بل حتى على نفسه، وهذه الطبيعة التكوينية تولد مع ولادة البشر.

من هنا صار لزاماً علينا أن نتعامل مع العصر بالأدوات والوسائل والأفكار التي تتناسب معه، فهل يجوز أن نساوي بين أضواء المصابيح الساطعة اليوم مع ضوء الشمعة الخافت بالأمس، وهل تصح المقاربة بين مواصلات الأمس ومواصلات اليوم، حيث يصل الناس إلى دول أخرى وعبر مسافات طوال بسرعة هائلة عبر الطائرات، بينما كانت وسائل المواصلات في السابق هي الحيوانات البطيئة في توصيل الناس إلى ما يرمون الوصول إليه.

هذا النوع من المقارنة بات أمراً مستحيلاً، ففي كل يوم تحدث اكتشافات كبيرة في جميع مجالات الحياة، لهذا أصبح المسلمون اليوم على المحك وصار مطلوبا منهم أن يواكبوا العصر، وأن يدخلوا في حلبة المنافسة الشديدة مع الأمم الأخرى، بل وعليهم أن يتصدّروا تلك الأمم كونهم سبق أن تصدروها وصاروا في موقع القيادة والصدارة حين كانوا يستحقونها فعلا وقولا.

رسم الأهداف بمسؤولية عالية

لذا يستوجب هذا النوع من المواكبة نوعاً من التخطيط ورسم الأهداف بمسؤولية عالية، ولا يصح البقاء ثابتين، نراوح في الأماكن والدرجات نفسها، بل علينا أن نواكب العصر، ونبتكر الأساليب القادرة على جعلنا رقماً صعباً وقوياً من بين الأمم الأخرى، لاسيما أننا لدينا القواعد التي تساعدنا على هذا الهدف وهي موجودة في القرآن الكريم.

وتدعمنا أيضا السنة النبوية في هذا المجال، لذا علينا خوض هذه التجربة (ونعني بها تجربة مجاراة العصر) بكفاءة عالية وبما يؤكد بأن المسلمين لهم دورهم المنافِس في العصر الراهن، ولهم قدراتهم وإمكانياتهم على خوض المواجهة في جانبين، الأول مواصلة قضايا الابتكار والتفوق في مجالات التطور كافة، والثاني تفويت الفرصة على الدول الاستعمارية ومواجهتها بقوة وذكاء وبمسؤولية عالية عبر التخطيط الجيد والتنفيذ السليم.

الأمر الآخر الذي يجب أخذه بالاعتبار والتعاطي معه باهتمام عالٍ، يكمن في قضية تذليل المشكلات والعقبات التي تواجه المسلمين، وذلك من خلال بناء الروح المؤمنة القوية الصبورة القادرة على خوض غمار التحديات كافة، فهذه الروح يكون بمقدورها المواجهة وعدم إعطاء الفرصة للمتربصين بالمسلمين، لهذا يتطلب بناءها الكثير من الإصرار بالاعتماد على عقيدتنا السمحاء التي تنسجم مع التطلعات الإنسانية كافة.

ولابدَّ أن يحدث ذلك التفاعل الإنساني الصميم ما بين الروح الإيمانية والثوابت الإنسانية، وبهذا نكون قد وضعنا أقدامنا على الجادة الصواب، مستلهمين أفكارنا وقدراتنا وجل امكانياتنا من كنوزنا العظيمة الكامنة في كتاب الله الكريم، وفيما تركه لنا أئمة أهل البيت “عليهم السلام” من خزائن علمية ودينية تجعلنا دائماً في طريق الاستقامة ومواكبة التقدم البشري.

الحاجة لبرامج التوعية الاجتماعية والعلمية

ولكي نضمن النجاح في هذه المواجهة، لابدَّ من التخطيط العلمي الجاد لإطلاق حملات التوعية التي تغذي المسلمين بالعقائد السليمة، وتفتح بصائر وقلوب الناس على كل ما يدور حولهم في العالم، خاصة تلك المآرب الاستعمارية التي تشكل خطراً داهماً على الأمة وتسعى إلى جعلها خارج مضمار التقدم العالمي، كذلك يحتاج المسلمون إلى برامج التوعية في كل ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والعلمية أيضا.

حتى يكون بمقدورهم العودة إلى المنافسة العالمية بقوة، خاصة أنهم منحوا البشرية الكثير من العلوم التي أخذها عنهم الآخرون، واستطاعوا توظيفها لصالحهم، فتقدموا إلى الأمام كثيرا، فيما بقيت أمتنا ثابتة في مكانها، وفي بعض الأحيان تراجعت إلى الوراء، لهذا لابد من العودة إلى دائرة التنافس العالمي والحصول على قواعد التقدم المختلفة، حتى نسترد كرامتنا ومركز الصدارة الذي فقدنا بسبب الابتعاد عن الدين والتعاليم والأحكام الإسلامية.

ولكن ماذا يحتاج المسلمون لخوض هذه المواجهة بنجاح، ونعني بها المواجهة بين (الإيمان ونقيضه)، في الحقيقة هذا النوع من المواجهات يحتاج إلى الدخول في المعركة بكامل الأسلحة القادرة على إلحاق الهزيمة بالطرف المواجِه، وأهم هذه الأسلحة التي تعين المسلمين على من يسعى لإلحاق الأذى بهم هي سلاح الإخلاص والإيمان والعلم.

فالخلاص بالعمل شرط لا يقبل النقاش من أجل تحقيق التقدم، ومن دون الإخلاص لا يمكن لأي بشر على وجه البسيطة تحقيق ما يصبو إليه، أما الإيمان فهو الشرط الذي يحتاجه الناس في خوض جميع المهام التي تُناط بهم، فمن دون الإيمان يصبح الإنسان في حالة من العجز والسكون والتراجع، لهذا فإن شرط الإيمان يمنح الإنسان الطاقة المطلوبة لمواصلة البقاء على قيد المنافسة والنجاح والتفوق.

إذًا نحن كمسلمين نقف أمام قضية واضحة ولا يمكن اهمالها أو العبور فوقها، ألا وهي حتمية مواكبة العصر بكل ما يتميز به من مكتشَفات وابتكارات وتطور علمي مادي هائل، على أن لا نهمل الجانب المعنوي والروحي، ذلك أن كل ما يتحقق للإنسان في المجالات المادية يبقى ناقصاً ما لم تدعمه الجوانب الروحية الخلاقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى