نار لا تنطفئ منذ آلاف السنين غرب العراق

في مدينة هيت غرب العراق وعلى ضفاف نهر الفرات، تتدفق عيون سُود لزجة من باطن الأرض، تنفث بخارًا ساخنًا وتحمل رائحة التأريخ، إنها ينابيع القار التي لم تنطفئ منذ آلاف السنين، وظلت شاهدة على تعاقب حضارات سومرية وآشورية وبابلية مرت من هنا.
يقول الباحث الجيولوجي أكرم الراوي، إن هيت تضم ما بين خمس إلى ست ينابيع طبيعية تقذف بمادة القار أو القطران الساخن باستمرار، وهي ظاهرة جيولوجية نادرة على مستوى العالم، ناتجة عن تسرب القار من طبقات نفطية عميقة إلى السطح عبر شقوق صخرية.
وتتجاوز حرارة هذه المادة أحيانًا، ثمانين درجة مئوية، مما يؤدي إلى تصاعد أبخرة كثيفة في ساعات الصباح، تضفي على المكان، جوًا غامضًا ومهيبًا.
ويؤكد المؤرخ محمود خليل الهيتي، أن مدينة هيت كانت تعرف في النصوص البابلية القديمة باسم إيس، أي القار، ما يدل على أن شهرتها بهذه المادة تعود إلى ما قبل الميلاد. وقد كانت هيت، مركزًا تجاريًا مهمًا، تصدر القار والملح والكبريت إلى مدن وادي الرافدين، وكان ينقل عبر القوافل إلى الجنوب، مما جعل مناطق مثل ذي قار تحمل هذا الاسم نسبة إلى القار المستخدم هناك.
ويعد القار الهيتي من أنقى أنواع القطران الطبيعي في الشرق الأوسط، وقد استخدمته الحضارات القديمة في البناء والعزل المائي والتحنيط، خاصة في المعابد والزقورات.
بين سكون الصحراء وصخب التأريخ، تظل ينابيع هيت المشتعلة، تروي حكاية أرض لا تزال تتنفس نارًا وقطرانًا منذ آلاف السنين.



