كيف ينبغي التعامل مع الدنيا التي نحيا فيها؟

قال النبي الأكرم مُحمد (صلى الله عليه وآله وسلم): “كُنْ في الدنيا كأنّك غريب أو عابر سبيل” يُعدّ هذا الحديث الشريف أصلا من الأصول التوجيهية في قِصَرِ الأمل، فإنّ المؤمن لا ينبغي له أن يتّخذ الدنيا داراً يطمئن فيها لأنّها دار هدنة أي: (دار بلاغ وانقطاع)، ونحن على ظهر سفر والسير بنا سريع، وقد رأينا الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كلّ جديد، ويُقرّبان كلّ بعيد، ويأتيان بكلّ موعود، فالواجب إعداد الجهاز لبعد المجاز، وقد اتفقت على ذلك وصايا الأنبياء وأوصيائهم، وقال تعالى حاكياً نداءَ مؤمن آل فرعون ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾ وقال مولانا رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): “إنّ الله يُعطي الدنيا من يُحبّ ويُبغض. وإذا أحبّ الله عبداً أعطاه الإيمان. ألا إنّ للدين أبناء وللدنيا أبناء. فكونوا من أبناء الدين ولا تكونوا من أبناء الدنيا. ألا إنّ الدنيا قد ارتحلت مُولية والآخرة قد ارتحلت مقبلة ألا وإنّكم في يوم عمل ليس فيه حساب. ألا وإنّكم توشكون في يوم حساب وليس فيه عمل”.
وخاطب مولانا الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) أصحابه قائلاً: “إخواني أوصيكم بدار الآخرة ولا أوصيكم بدار الدنيا، فإنّكم عليها حريصون، وبها متمسّكون، أما بلغكم ما قال عيسى بن مريم (عليهما السلام) للحواريين. “الدنيا قنطرة، فاعبروها ولا تعمروها”. وقال: “أيّكم يبني على موج البحر داراً تلكم الدار الدنيا، فلا تتّخذوها قراراً”:
يا غافلاً عن العمل قد غرّه طول الأمل الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل
مضرب المثل في قصر الأمل
عن أبي سعيد الخُدري قال: اشترى أسامة بن زيد من زيد بن ثابت وليدة بمائة دينار إلى شهر، فسمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: “ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر؟ إنّ أسامة لطويل الأمل، والذي نفسي بيده ما طرفت عيناي فظننت أنّ شفراهما يلتقيان حتى أقبض، ولا رفعت طرفي فظننت أنّي واضعه حتى أقبض، ولا لقمت لقمة فظننت أنّي أسيغها حتى أغص فيها من الموت”، ثم قال: “يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدّوا أنفسكم من الموتى، والذي نفسي بيده إنّ ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين”.
أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثة أعواد، فغرس إلى جنبه واحداً، ثم مشى قليلاً، فغرس آخر، ثم مشى قليلاً، فغرس آخر، ثم قال: “هل تدرون ما هذا؟ هذا مثل ابن آدم، وأجله وأمله فنفسه تتوق إلى أمله، ويخترمه أجله دون أمله”.
ولقد نام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم على حصير، فقام وقد أثّر في جنبه، فقالوا: يا رسول الله، لو اتخذنا لك وطاءً؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): “ما لي وللدُّنيا، ما أنا في الدنيا إلاّ كراكب استظلّ تحت شجرة ثمَّ راحَ وتركها”.
والدنيا كما أخبر الله سبحانه لعب ولهو وزينة وتكاثر وتفاخر، وإنّ من عظيم الأسف أن يظلّ الكثيرون منّا في غفلة وتعامٍ عن ذلك، حتى يغلب عليهم طول الأمل، فيتولّد عنه الكسل عن الطاعة، والتسويف بالتوبة، والرغبة في الدنيا والنسيان للآخرة، والقسوة في القلب. ونحن نقرأ في دعاء كميل بن زياد (رضوان الله عليه) المروي عن مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): “وحَبَسَنِي عن نفعي بُعدُ آمالي”.



