اخر الأخبارالنسخة الرقميةتقارير خاصةسلايدر

العراق أمام موسم شتوي خطير وسط غياب الخطط الحكومية

الزراعة تحت رحمة الأمطار


المراقب العراقي/ أحمد سعدون..
يواجه العراق، موسماً زراعياً شديد الحساسية، وسط تصاعد أزمة الجفاف، وتراجع كميات الأمطار بشكل مقلق، بالتزامن مع ضعف واضح في الإدارة الحكومية لهذا الملف الحيوي، واستمرار الصمت الرسمي تُجاه الانخفاض الحاد في الحصص المائية القادمة من تركيا، وهو ما يهدد الأمن الغذائي للبلاد بشكل غير مسبوق.
ورغم التحذيرات المتكررة من المختصين في الموارد المائية والقطاع الزراعي، لم تتخذ الحكومة العراقية، خطوات حقيقية لمعالجة جوهر المشكلة، والمتمثل في التغيرات المناخية الداخلية، وغياب التفاهمات الدولية الفاعلة مع دول المنبع، وعلى رأسها تركيا، التي استمرت في بناء السدود وتحويل مجرى الأنهار دون التزامات واضحة تُجاه حقوق العراق المائية.
وزارة الزراعة أعلنت أنها تعمل على إعداد خطة موسمية بالتنسيق مع وزارة الموارد المائية، تعتمد على ما يتوفر من خزين فعلي في السدود، لكنها لم تكشف عن تفاصيل واضحة تتعلق بكيفية تعويض النقص الشديد في المياه، أو معالجة آثار تقليص المساحات المزروعة التي أثرت في السنوات الماضية على محاصيل إستراتيجية .
ومع تصاعد أزمة شُح المياه، اكتفت الحكومة بتقليص الخطة الزراعية الموسمية دون تقديم بدائل واقعية للفلاحين، سواء من حيث الدعم المباشر أو ضمان التسويق والتخزين، فيما يشكو المزارعون في عدد من المحافظات، تركهم يواجهون الجفاف بمفردهم، وسط غياب للجهد الحكومي الحقيقي، في تأمين مصادر بديلة أو تأهيل قنوات الري أو تقديم مستلزمات الزراعة.
وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من سبعين في المئة من الأراضي الزراعية تعتمد على الري السطحي التقليدي، ولم تطلق الحكومة حتى الآن، حملة وطنية شاملة للتحول إلى أساليب الري الحديثة، باستثناء مشاريع محدودة ومتناثرة، لا توازي حجم المشكلة، ولا تلبي الحاجة المتزايدة.
من جهة أخرى، تلتزم الحكومة الصمت حيال الخروقات التركية المستمرة في ملف المياه، إذ لم تعلن بغداد عن خطوات تصعيدية سياسية أو دبلوماسية أو قانونية، تضمن حقوق العراق المائية في نهري دجلة والفرات، في وقت ارتفعت فيه الأصوات المطالبة بإخراج الملف من دائرة المجاملات السياسية وربطه بالأمن القومي العراقي بشكل مباشر.
وفي الشأن نفسه، حذّر الخبير المائي عمر عبد اللطيف من تفاقم الأزمة المائية في العراق، عازياً أسبابها إلى السياسات المائية التي تنتهجها تركيا، والتي وصفها بـ”غير المنصفة”، مؤكداً: أن “كميات المياه الواردة من الجانب التركي، لا تفي بالاحتياجات الفعلية للبلاد، سواء على المستوى الزراعي أو البشري”.
وأوضح عبد اللطيف في حديثه لـ”المراقب العراقي”، أن “هذه السياسات، إلى جانب تأثيرات التغير المناخي والجفاف المتكرر، أدت إلى انخفاض كبير في الخزين المائي وجفاف عدد من البحيرات والأهوار، ما ينذر بكارثة بيئية واقتصادية تهدد الأمن المائي للبلاد”.
ودعا “الحكومة العراقية ووزارة الموارد المائية إلى اعتماد خطط استراتيجية، لتخزين مياه الأمطار خلال فصل الشتاء، مشددًا على ضرورة استغلال أية فرصة ممكنة لتعزيز الموارد المائية، وتحقيق إدارة مستديمة للمياه، تضمن حقوق العراق المائية، وتحافظ على الثروات البيئية”.
فيما يرى مراقبون، أن العراق يقف اليوم على مفترق طرق بين إنقاذ ما تبقى من منظومته الزراعية، أو المضي في طريق الاعتماد الكلي على الاستيراد، وهو ما يفتح الباب أمام أزمات اقتصادية واجتماعية إضافية، وسط ارتفاع أسعار الغذاء وتراجع دخل الفلاحين، وازدياد الهجرة من الريف إلى المدن.
وأكدوا، أن استمرار السياسة الحالية القائمة على “رد الفعل” بدلاً من التخطيط الاستباقي، سيؤدي إلى تقليص المساحات الزراعية بنسبة تصل إلى خمسين في المئة خلال المواسم المقبلة، مع خطر حقيقي بفقدان الأمن الغذائي، في حال استمرار تركيا بتقليص الاطلاقات المائية دون رادع.
وفي ضوء كل ذلك، تبرز الحاجة إلى استراتيجية وطنية شاملة، تضع ملف المياه والزراعة على رأس الأولويات، عبر تفعيل أدوات التفاوض الجاد مع دول الجوار، وتطوير البنى التحتية للري والخزن، وتوفير الدعم الكامل للفلاحين، بما يحمي العراق من كارثة بيئية وزراعية بدأت بوادرها تتضح بشكل متسارع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى