إلغاء صندوق التقاعد يهدد حقوق الموظفين ويُفرط بجهود السنين

شريحة المهمشين أمام مستقبل ضبابي
المراقب العراقي / أحمد سعدون..
تُعد هيأة التقاعد الوطنية واحدة من الركائز الاساسية التي تقوم عليها منظومة الضمان الاجتماعي في العراق، إذ تمثل جسراً حيوياً بين الدولة ومواطنيها، من العاملين والمتقاعدين. وتأسست هذه الهيأة وفقاً لقانون التقاعد الموحد، لتكون الذراع التنفيذية التي تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وضمان استقرار الحياة المادية والنفسية للمشمولين بقانون التقاعد، عبر توفير مظلة تأمينية شاملة تحمي حقوق الموظفين والمتقاعدين على حد سواء.
وفي خطوة مفاجئة أثارت تساؤلات واسعة، أعلنت الحكومة العراقية رسميًا إلغاء نظام صندوق تقاعد موظفي الدولة رقم (4) لسنة 2008 بموجب نظام رقم (8) لسنة 2025، مما فتح الباب لتكهنات عديدة حول مصير شريحة واسعة من المتقاعدين والموظفين المقبلين على التقاعد.
وضمن هذه التوجسات أصدرت الأمانة العامة لمجلس الوزراء، توضيحا بشأن هذا القرار ، مؤكدة أن القرار لا يترتب عليه أي ضرر أو مساس بحقوق الموظفين أو المتقاعدين، لافتة الى أن القرار صدر بناءً على طلب رسمي من هيأة التقاعد الوطنية، وذلك لعدم وجود تعليمات نافذة خاصة بعمل الهيأة، مضيفة أنه في ضوء ذلك، أعدت وزارة المالية، مشروع النظام الداخلي لتشكيلات هيأة التقاعد الوطنية، ونص على أن صندوق تقاعد موظفي الدولة كأحد تشكيلات الهيأة، مما يتطلب إلغاء النظام لحين إصدار تعليمات نافذة خاصة.
ومن جانب آخر أكد مراقبون أن أبرز المخاوف تتمثل في أن إلغاء الصندوق قد يعني دمج التمويل التقاعدي بالكامل ضمن الموازنة العامة وربطه بوزارة المالية، مما يجعل المتقاعدين عُرضة لتقلبات السياسة المالية والضغوط الاقتصادية، خصوصًا في ظل العجز المزمن في الموازنة.
وتشير تجارب سابقة في دول أخرى إلى أن غياب صندوق مستقل للتقاعد قد يؤدي إلى تأخيرات في صرف المعاشات، خصوصًا في الأشهر التي تعاني فيها الخزينة ضعفَ السيولة.
وأثار هذا القرار الكثير من الأسئلة لدى الموظفين الذين يدفعون استقطاعات شهرية لصندوق التقاعد وباتوا يتساءلون عن مصير مُدَّخراتهم، وهل تُحتسب ضمن النظام الجديد؟ وهل يتم ضمانها بالقانون؟.
بينما طالب آخرون الحكومة بشفافية وإيضاحات قانونية تضمن حقوقهم وعدم المساس بالمعاش التقاعدي بأي شكل من الاشكال .
وحول هذا الموضوع بين عضو اللجنة المالية جمال كوجر في حديث لـ” المراقب العراقي ” أن “قرار إلغاء صندوق التقاعد لا يشكل أي آثار سلبية أو إيجابية على الموظفين الحاليين”، موضحًا أن “التغييرات الإدارية التي ستترتب على القرار تهدف إلى تبسيط الإجراءات وتحسين كفاءة النظام التقاعدي”.
وقال كوجر ، إن “صندوق التقاعد كان بمثابة حلقة إضافية بين الموظف وهيأة التقاعد الوطنية، ومع إلغائه ستتوجه استقطاعات الموظفين مباشرة إلى الهيأة دون وسيط، ما يعني أن التعامل سيكون مع جهة واحدة فقط”.
وأضاف أن “القرار سيساهم بإنهاء الازدواجية الإدارية، حيث ستصبح هيأة التقاعد الوطنية مرتبطة بشكل مباشر بصندوق التقاعد، ما يضمن مركزية القرار وسرعة اتخاذ الإجراءات”.
فيما يرى خبراء في الاقتصاد أن “وجود صندوق تقاعد مستقل يُعتبر ركيزة لحماية المعاشات من ضغوط العجز المالي، وإلغاؤه من دون بديل واضح يُعد مخاطرة كبيرة بثقة المواطنين بالنظام الوظيفي ، لافتين الى أن العجز المالي الخطير في الموازنة والتأخير في إطلاق رواتب المتقاعدين أكثر من مرة أثار الكثير من الشكوك حول مصير هذه الرواتب وجعلها أداة بيد الحكومة في التصرف بها على حساب قوت هذه الشريحة المسحوقة” .
وبين الخبراء ، أنه رغم أن الحكومة لم تلغِ حق التقاعد ذاته، إلا أن خطوة إلغاء الصندوق دون إعلان آلية بديلة واضحة قد تحدث أزمة ثقة كبيرة بين الموظف والدولة، ويتطلب الأمر من الجهات المختصة إصدار تشريع عاجل أو تعليمات توضيحية لضمان عدم المساس بحقوق المتقاعدين الحاليين والمستقبليين، وتأكيد أن هذه الإجراءات لن تؤدي إلى تقليص المعاشات أو تأخير صرفها.
فيما حذر مراقبون من مغبة هذه الخطوة التي اتخذتها الجهات الحكومية وأنها مجازفة بحقوق هذه الشريحة، مبينين أن أموال صندوق التقاعد قد جُمعت سابقاً من رواتبهم عندما كانوا موظفين، وبهذا القرار تصبح رواتبهم عُرضة للتقلبات السياسية والاقتصادية حسب رأيهم.



