اخر الأخباراوراق المراقب

تربةُ كربلاء كرامة وبركة

تُرْبة كربلاء من الناحية الجيولوجية لا تختلف عن سواها من أمكنة الأرض والمدن الأخرى، ولكنها امتلكت خاصيّة (القداسة) بعد أن كرّمها الله تعالى لسببٍ عظيم، وحباها بالرعاية الإلهية التي تستحقها، ومنحها درجة التوقير العالية، حيث حصلت عليها من الدم الطهور للإمام الحسين عليه السلام الذي استشهد فيها وتوسَّد ثراها، فأضاء بنور مصباحه هذه الأرض، وتقدَّست تُربتها، وسٌجِّلت باسمها الكثير من الكرامات الإلهية الكبيرة.

فمنذ أن استشهد فيها سيد الأحرار، الحسين بن علي عليهما السلام قبل حوالي 1400 عام، وإلى يومنا هذا، صارت مدينة كربلاء قطعة من الجنة، بعد أن ضمّت مرقد سيد شباب أهل الجنة، وأصبحت هذه المدينة مقدسة التربة، بعد أن تطهرت بالدم الحسيني الثائر، وتحولت إلى مدرسة للعز والإباء، يأخذ فيها المسلمون ومن ثوار العالم أجمع دروسًا في التضحية والإيثار وفي الشجاعة والكرم والفضائل.

لم تُصبح كربلاء أرضا مقدسة فحسب، بل اكتسبت العديد من الصفات والمكارم الإلهية، بعد أن تخضَّبت تربتها بالدم الطاهر الثائر للإمام الحسين، وهكذا صارت موئلا للعلم بأنواعه كافة، وضمت مدارس للحق والفضيلة واكتساب الحس الثوري الخالد من بطلها الإمام الحسين.

كرامة وقدسية تُربة كربلاء

ومع مرور السنين والعقود بل والقرون المتلاحقة، بدأت تربة كربلاء تأخذ مكانتها الكبيرة بين البشر، ليس أهالي كربلاء المقدسة وحدهم، ولا سكان العراق فقط، بل على اتساع الأرض هناك من يأتي ليزور مرقد الإمام الحسين وأخيه العباس عليهما السلام، وأصحابه الأطهار البررة الذين وقفوا معه وناصروه حتى الشهادة، لإعلاء كلمة الحق وإنقاذ الدين من الضياع والانحراف بسبب ما قام به يزيد من حملات تخريب وتشويه للدين والعقائد الإسلامية.

ومن خلال هذه المكانة لتربة كربلاء، بدأت تظهر للعلن كرامات هذه التربة، أمام الملأ من الزوار الكرام الذين تصل أعدادهم إلى الملايين، لاسيما في زيارة الأربعين الحسينية، فحدث أمام مرأى الجميع درجة شفاء تامة وسريعة لحالات عجزت عن تطبيبها جميع الأجهزة الطبية قديمها وحديثها، وقد رأى الزوار الكرام مثل هذه الحالات الكثير الكثير.

ونظرا لهذه المكانة رفض العديد من العلماء الأجلاء ومن المؤمنين أن يمسّوا تربة كربلاء بالتلويث أو التشويه، أو التنجيس، وتعامل هؤلاء الأجلاء وغيرهم مع هذه التربة كما لو أنهم يتعاملون مع كل شيء مطهَّر ومنزَّه ولا يجوز المساس بطهارته ومكانته في أي حال من الأحوال، وهكذا أمست تربة كربلاء ذات خصوصية وقدسية لا يمكن المساس بها.

ومن التقاليد المباركة التي درج عليها أهالي كربلاء المقدسة، وهي تقاليد روحانية إيمانية جميلة، تمنح الإنسان عمقا كبيرا، ونوعا من الاطمئنان والشعور بالسعادة، والأمل بحياة في غاية السكينة والأمان، حيث يقوم أهل المتزوجين حديثا (عروسًا وعريسًا)، في ليلة الزفاف بتقديم إناءين فيهما ماء ممزوج بتربة كربلاء، فيشربان الماء المبارك من هذين الإناءين، لتبدأ طقوس الإيمان والسعادة والشعور بالفرح تطغى على الجميع لاسيما العريسين.

وقد ترسّخ شعور مبارك عند جميع الأهالي، بأن الزوجين عندما يشربان هذا الماء الممتزج بتربة كربلاء، سوف يعيشان في سعادة واستقرار وأمان، وأن الله تعالى يرزقهما الخير والسلامة والرزق الوفير، كل هذا ببركة هذه التربة التي تشرفت وتعطّرت بالدم الطهور للإمام الحسين عليه السلام، حيث يُصبح الزوجان على يقين تام وأهلهما أيضا بأن نسلهما سيأتي مباركا سليما صحيحا ناجحا لأنهما تناولا هذا الماء المعفر بالدم الطهور.

تقاليد النور والسعادة والإيمان

هذه التقاليد أصبحت مع مرور الأيام فعلا ملازما لجميع حالات الزيجات التي تتم في كربلاء المقدسة، وأحيانا يقوم العرسان من المدن وحتى البلدان الأخرى، بمحاولة الحصول على هذا الماء كي يشربا منه، أملا ويقينا بأنهما سوف يؤسسان أسرة مباركة ومؤيَّدة بحماية الحسين ومقامه العظيم عند الله سبحانه.

ومن التقاليد التي تدل على التمسك بالوفاء للحسين عليه السلام بعد أن قدم أعز وأغلى ما لديه للإسلام والمسلمين، تلك الفعالية التي ترافق العريسين في ليلة زفافهما، وقد يبدو في الظاهر نوعا من التناقض بين الحالتين وكالتالي، فالزواج مناسبة سعيدة، وإذا تم في هذه المناسبة تقديم الرثاء الحسيني والبكاء بسبب ما جرى للحسين وذويه في يوم الزفاف، قد يبدو الأمر متناقضا، ولكن في الحقيقة سيكون تأثير هذا الفعل مضاعفا وكبيرا.

لأن أحباب الحسين عليه السلام لن ينسوه حتى في قمة أفراحهم، وهناك فائدة مهمة لمثل هذه الفعالية المتميزة، وهي الحصول على بركة الإمام الحسين وشفاعته عند الله تعالى، بأن يكون هذا الزواج مباركا وناجحا ومستقرا، وتكون الذرية صالحة، تتخلق بأخلاق ومبادئ أئمة أهل البيت عليهم السلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى