ماذا قدم الدين للشباب؟

محمد علي جواد تقي..
لنأتِ من الآخِر؛ انه التوازن الدقيق بين العقل والعاطفة، الشباب يحظون بطاقات بدنية وذهنية هائلة بفضل المرحلة العمرية الطرية، فكل شيء عندهم “درجة أولى” وفي حالة البِكر؛ من القوة العضلية، والمشاعر المرهفة، والذهنية الوقادة، فلا غرو أن نجد معظم التحولات في حياة البشرية كانت قائمة على جهود وتحركات الشباب في الأعمار المتراوحة بين الثامنة عشر الى سن الثلاثين من العمر تقريباً.
وبمقدار ما يتركه الشاب من بصمات تؤثر على واقعه الاجتماعي بفضل ما يمتلكه من طاقات، فان هذه الطاقات نفسها ربما تكون سبباً في أن يكون هدفاً لمؤثرات من جهات أخرى لها أدواتها في التأثير والتعبئة لأهدافها الخاصة.
حتى لا يحصل الخلل في المعادلة
إن مشاريع تغيير كبرى حصلت في العالم، منها؛ الرسالات السماوية وما تركته من آثار عميقة في النفوس نراها جليّة اليوم والى أمد غير معلوم، كانت بفضل تفاعل الشباب واندماجهم مع تلكم المشاريع التغييرية والإصلاحية، ولا أدلّ على ما نقول من أقرب المقربين الى النبي الأكرم، “صلى الله عليه وآله”، في بداية دعوته الى الإسلام، فقد كان الى جانبه علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وآخرون، الى جانب هذا الأداء الايجابي، فان حروباً طاحنة على مر التأريخ أحرقت الحرث والنسل كان وقودها الشباب على الأغلب، وهذا ما عايشناه حتى السنوات الأخيرة في بلادنا الاسلامية، ومنها العراق.
والسبب في هذا الخلل القاتل فقدان حالة التوازن بين ما يمتلكه الشاب من مشاعر جيّاشة وحماس جامح، وما يمتلكه من عقل وهبه الله –تعالى- له، ولكل انسان منذ لحظة ولادته، فينمو ويتطور ويتبلور مع تقدم عمر هذا الانسان، فالشاب، وهو على مقاعد الدراسة –مثلاً- يرسم في ذهنه خرائط كبيرة لمستقبل مفترض وجميل بعد إكمال دراسته وتخرجه من الجامعة، وايضاً؛ ما يتعلق بحياته الاجتماعية، وتحديداً مسألة الزواج، فهو يندفع بحماسه وبمشاعر حبّ الذات، والثقة العالية بالنفس على أمل تحقيق آماله دون استشارة العقل لديه، والنظر في مدى إمكانية تحقيق هذا العمل أم لا؟ أو صحة هذه الوسيلة لتحقيق الهدف أم لا؟ وكلما حقق الشاب هذا التوازن، بنفس القدر يكون أقرب الى تحقيق آماله بما لا يحلق الضرر بنفسه وبمحيطه الاجتماعي.
وفي القرآن الكريم وأحاديث المعصومين “عليهم السلام”، إشارات واضحة الى هذا التوازن، فقد دعا نبي الله نوح “عليه السلام” ابنه لأن يلتحق به ويركب السفينة بعد أن غمرت مياه الامطار وينابيع الأرض كل مكان، أخذ الابن يسبح في ظنه أن في بحر أو نهر، ثم قال لأبيه: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، إنه فضّل قواه العضلية، واعتداده المفرط بنفسه، على حقيقة البلاء النازلة من السماء بسبب العصيان والتمرد على مدى نحو تسعمائة سنة، لنتأمّل أي غياب للعقل كان عند ابن النبي نوح.
بالمقابل نلاحظ مجموعة من الشباب المقربين من البلاط الروماني في السنوات الأولى من ظهور السيد المسيح نبياً، فقد فضّلوا الإيمان بالله الواحد الأحد، على عبادة انسان مثلهم يحيا ويموت، فسجلوا أروع مثال في التأريخ البشري لـ{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}. وكان ما كان من قصة أصحاب الكهف المعروفة لدينا ولدى سائر الأديان السماوية.
والى جانب الأحاديث المروية عن المعصومين عن ضرورة استثمار مرحلة الشباب في العمل والعبادة، وعدم التفريط بها، ثم التحذير من ساعة الوقوف يوم القيامة للحساب على هذه المرحلة العمرية والفرص الذهبية المهدورة. يجدر بنا الإشارة الى تجربة رائعة وناجحة بامتياز حصلت على أرض كربلاء قبل واقعة عاشوراء، عندما سأل الإمام الحسين “عليه السلام” ابن أخيه؛ القاسم بن الحسن، “عليهما السلام”: “كيف الموت عندك”؟! وفي المصادر التأريخية نقرأ أن القاسم كان “شاباً لم يبلغ الحلُم”، يعني ربما كان أقل من الخمس عشرة سنة، فكيف يكون جواب من هو في هذا العمر، على سؤال بهذه الخطورة؟! هنا أرى أن القاسم جسد النجاح بأروع صوره في تحقيق التوازن بمعادلة العقل والعاطفة، بقوله: “فيك يا عمّ أحلى من العسل”، فقد أحكم الربط بين الإيمان بحقانية موقفه، والحماس الشبابي، وبين الحب لعمّه والموت دونه.