تأخير الرواتب يثير قلق الموظفين وينبئ بنقص السيولة المالية

الموازنة التشغيلية ترهق خزينة الدولة
المراقب العراقي/ أحمد سعدون..
مع نهاية كل شهر، بات ملايين العراقيين يعيشون حالة ترقب مشحونة بالقلق بانتظار صرف رواتبهم، خصوصاً خلال الأشهر الأخيرة، حيث تكرر تلكؤ صرف رواتب بعض الوزارات، إضافة إلى رواتب المتقاعدين ومخصصات الرعاية الاجتماعية، هذا التأخير صار مصدر توتر حقيقي لأن شريحة واسعة من المجتمع تعتمد بشكل كامل على هذه المبالغ لتسيير حياتها اليومية، ما جعل القضية تتحول إلى هاجس يعصف بالاستقرار المعيشي للأسر.
وزارة المالية بدورها أكدت في بيانات متكررة، أن الرواتب مؤمنة بالكامل، وأن المشكلة تعود إلى ضغط التحويلات وتحديث البيانات والإجراءات المصرفية الروتينية، إلا أن هذا الخطاب لم يعد مقنعاً للكثير من المواطنين، خاصة في ظل تكرار التأخير في نهاية كل شهر، فالأسر التي تنتظر الراتب لتسديد الإيجار أو شراء الدواء أو تغطية احتياجات المدارس لا تنظر إلى التأخير كمسألة تقنية، بل كتهديد مباشر لحياتها اليومية.
خبراء في الشأن الاقتصادي أكدوا، أن “ما يجري لا يمكن فصله عن الوضع المالي العام للدولة، فرغم وجود تغطية مالية على الورق، إلا أن مشكلة السيولة الفعلية أصبحت واضحة، خصوصاً أن النفقات التشغيلية وعلى رأسها الرواتب، تشكل الحصة الأكبر من الموازنة، بينما تتأثر الإيرادات بتقلب أسعار النفط وضعف التنويع الاقتصادي، مبينين، أن الضغط على السيولة في نهاية كل شهر هو مؤشر متوقع في بلد يعتمد بنسبة كبيرة على التحويلات النفطية الشهرية التي قد تتأخر أو تتقلب، ما يخلق فجوات زمنية تؤثر فوراً على مواعيد الصرف”.
وفي السياق نفسه، أكد المهتم بالشأن الاقتصادي عبد الحسن الشمري في حديث لـ”المراقب العراقي”، أن “الزيادة المتصاعدة في عدد الموظفين والمتقاعدين والمتقدمين للمنح الاجتماعية، رفعت من حجم الكتلة النقدية المطلوبة نهاية كل شهر، في وقت لا تزال فيه الأنظمة المصرفية والتحصيل الحكومي تعاني بطئاً كبيراً، ما يجعل الدولة تعتمد بشكل شبه كامل على تدفق واحد للإيرادات، بالإضافة الى غياب الإصلاحات الحقيقية وتضخم الجهاز الإداري اللذين يزيدان العبء على الخزينة”.
وأضاف، إن “معالجة المسألة لا تتطلب فقط طمأنة إعلامية، بل إجراءات واقعية مثل تحسين إدارة الإيرادات وتطوير النظام المصرفي وتقليل الاعتماد على النفط، وكذلك ترشيد الإنفاق الحكومي”.
وأردف الشمري، ان “تأخير الرواتب يزيد من قلق المواطنين وبدوره ينعكس سلباً على السوق المحلي”، مبيناً، ان “الحكومة لا تمر بأزمة مالية شاملة لحد الآن، لكنها تواجه أزمة سيولة دورية وإذا لم تعالج جذورها، فقد تتحول الى أزمة حقيقية تؤثر على التزامات الحكومة أمام موظفيها”.
من جانبهم، يشعر المواطنون بأن هناك أزمة تدار بصمت دون مصارحة واضحة، فالتطمينات العامة لم تعد قادرة على تهدئة مخاوفهم، لأن واقع الأيام الأخيرة من كل شهر، يثبت أن المشكلة ليست مجرد خلل فني أو تأخير في التحويل، بل أصبحت نمطاً ثابتاً ينبئ بوجود ضغط مالي حقيقي، البعض يخشى أن يتطور الأمر إلى أزمة سيولة واسعة، خاصة وأن رواتب المتقاعدين والرعاية الاجتماعية تمثل عصب الحياة لأكثر الفئات هشاشة في المجتمع.
وفي ظل ضبابية المشهد المالي في العراق، بات من الضروري حاجة المواطن إلى شفافية أكبر من قبل الحكومة للاطلاع على أرقام دقيقة عن حجم السيولة، وعن قدرة الدولة على تغطية الرواتب مستقبلاً، وعن الخطوات العملية لتفادي أزمة محتملة، كما يحتاج إلى رؤية إصلاحية تضمن استدامة الرواتب، بعيداً عن التقلبات النفطية والضغوط الشهرية على الخزينة، بحسب ما يراه مراقبون.



