كيف أصبح اللوبي الإسرائيلي عبئاً سياسياً؟

بقلم: مازن النجار..
فجأةً أصبح اللوبي الإسرائيلي المسمى “لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية” (إيباك) عبئًا سياسيًا. فهل يواجه اللوبي الإسرائيلي مأزقًا يجعله كيانًا منبوذًا في الخريطة السياسية والانتخابات الأمريكية ويفقده نفوذه البالغ في واشنطن؟!.
على مدى عقود عديدة، لعبت إيباك، دورًا محوريًا في السياسة الأمريكية، لا فقط كمضخة تمويل ضخمة لحملات الانتخابات الأمريكية، بل أيضاً في تسويق وجهات النظر الإسرائيلية في كل الشؤون والسياسات الخارجية المنحازة لها. لكن مؤخرًا، ينأى المترشحون الطامحون للفوز بأنفسهم عنها، بل ويعلنون على الملأ رفض تبرعات إيباك السخية، ويردون تبرعات تلقّوها منها سابقاً.
فما الذي ينتظر اللوبي في ظل تحول “إسرائيل” إلى عبء سياسي بسبب الإبادة الجماعية في غزة؟.
بحسب تقرير مايكل أريّا الكاتب اليهودي الأمريكي، في موقع “موندوفايس”، أعلن في شهر تشرين الأول الماضي، سيث مولتون، النائب الديمقراطي عن ولاية ماساتشوستس، والمرشح لخلافة السناتور إد ماركي في مجلس الشيوخ، أنه سيتوقف عن قبول تبرعات لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) وسيعيد أموالاً تلقاها سابقًا منها.
تحول جذري
أثارت هذه الخطوة استغرابًا، فالنائب مولتون ليس سياسيًا حمائميًا، فإضافة إلى كونه مؤيدًا قديمًا لـ”إسرائيل”، دافع مولتون، جندي مشاة البحرية السابق، عن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، وامتنع عن انتقاد ضربات إدارة ترامب على إيران في حزيران 2025.
خطوة مولتون تجعله رابع عضو في مجلس النواب الأمريكي يتراجع عن موقفه بشأن تبرعات إيباك، لينضم إلى النائب مورغان ماكغارفي (ديمقراطي من كنتاكي)، والنائبتين فاليري فوشي وديبورا روس (ديمقراطيتان من كارولاينا الشمالية).
أمريكا أولاً
لم تقتصر هذه التطورات على أحد طرفي الطيف السياسي. ففي الأشهر الأخيرة، تعرضت إيباك لانتقادات، ليس فقط من قِبل محللين محافظين مشهورين، مثل تاكر كارلسون، بل من قِبل أعضاء جمهوريين في الكونغرس مثل مارجوري تايلور غرين وتوماس ماسي.
مؤخرًا، نشرت إيباك مقطع فيديو قصيرًا تُصرّ فيه على أن جهودها في الضغط بالنيابة عن “إسرائيل” تُفيد الأمريكيين بنهاية المطاف، وهو ردّ واضح على الانتقادات الأخيرة الموجهة لـ”إسرائيل” من قِبل محافظين يرفعون شعار “أمريكا أولًا”.
“بتمويل أمريكي، بتوجيه أمريكي، نعزز تحالفًا يُفيد أمريكا!” هذا ما جاء في تغريدة إيباك المثبتة في الفيديو.
فظائع متتالية وإبادة جماعية
يقول كليفتون: “لقد تغير شيء ما مؤخرًا، والواضح أن ذلك بسبب غزة”. وأضاف: “لم تُغطِّ وسائل الإعلام الرئيسة الأحداث بالقدر الكافي، لكن الناس يرونها على هواتفهم، ووسائط التواصل الاجتماعي. لقد كانت هذه فظائع متتالية”. “إنها إبادة جماعية، لم يتمكن الإسرائيليون والولايات المتحدة من إخفائها”.
بدورها، أيدت استطلاعات الرأي العام باستمرار تأكيد كليفتون. فقد أظهر استطلاع أجرته صحيفة نيويورك تايمز وجامعة سيينا Sienna في أيلول 2025، أن 34% فقط من الأمريكيين يؤيدون “إسرائيل”، مقارنةً بنحو 47% أيدوها عقب 7 تشرين الأول 2023 مباشرةً. وذكّرت نيويورك تايمز بمقالٍ حول الاستطلاع: “بعد مرور عامين تقريبًا على حرب غزة، شهد الدعم الأمريكي لـ”إسرائيل” تراجعًا هائلًا”.
وقد عكست استطلاعات الرأي العام حول إيباك ولوبي “إسرائيل” الأوسع نطاقًا هذه الاتجاهات. فوجد استطلاع أجراه “المعهد العربي الأمريكي” في آب 2025، أن المرشحين الذين يتلقون دعمًا من جماعات ضغط مؤيدة لـ”إسرائيل” هم أكثر عرضة لفقدان دعم الناخبين الأمريكيين وليس اكتسابه.
شبكة أموال مظلمة
فهل تغير أيٌّ من هذه الحقائق فعليًا قدرة إيباك على ممارسة نفوذها في الانتخابات الأمريكية؟.
ذكر جيمس زغبي، المؤلف والمؤسس المشارك في المعهد العربي الأمريكي، والناشط سنوات عديدة في تنظيم دعم فلسطين داخل الحزب الديمقراطي، بأنه من الصعب التنبؤ بمستقبل إيباك بالمدى الطويل، بناءً على تصريحات الديمقراطيين العلنية، وأشار إلى ارتباط إيباك بأفراد مؤيدين لـ”إسرائيل” ينفقون أموالهم مباشرةً على الانتخابات من دون المرور عبر اللوبي الإسرائيلي أو لجانه.
ويقول زغبي: “ليست واضحة العواقب طويلة المدى لهذا الأمر، لأنني متأكد من وجود طرق أخرى عديدة لاستغلال هذه الفرصة”. لقد اطلعت على تصريحات عديدة حول عدم قبول أموال إيباك، لكن إيباك ليست الطرف الوحيد، ولم تكن يومًا طرفًا وحيدًا.
ولطالما كانت شبكة الأموال المظلمة التي يشير إليها زغبي عنصرًا مركزيًا في عمل إيباك. وعلى مدى عقود، لم تُموّل إيباك السياسيين مباشرةً، بل أدارت شبكة من المتبرعين المصطفين أيديولوجيًا معها في سباقات انتخابية بالغة الأهمية.
تمويل سياسي شبحي
تغير هذا عام 2021 عندما عدّلت إيباك استراتيجيتها، وأطلقت لجنة عمل سياسي (PAC) ولجنة عمل فائقة (Super PAC) للإنفاق المباشر على الانتخابات لأول مرة.
أنفقت هذه اللجنة، المعروفة بـ”مشروع الديمقراطية المتحدة”، ببذخ على الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، وساعدت في إقصاء منتقدي “إسرائيل” مثل جمال بومَن وكوري بوش من مجلس النواب. وتجاوز إنفاقها إجمالاً أكثر من 100 مليون دولار على انتخابات 2024.
في الشهر الماضي، أجرى ماثيو إيدي، مراسل “إيفانستون ناو”، تحقيقًا حول تبرعات الحملات الانتخابية في الدائرة التاسعة بولاية إلينوي، ووجد أن عضو مجلس شيوخ الولاية، الديمقراطية لورا فاين، حصلت تقريبًا على 300 تبرع من أفراد تربطهم “صلات وثيقة” بـ”إيباك” و”إسرائيل” طبعًا. لكن، لم يُذكر في ملفات لجنة الانتخابات الفيدرالية أن أياً من هذه التبرعات قد قُدّمت بواسطة إيباك.
يقول كليفتون، إن النهج المزدوج يوحي بأن إيباك بحاجة إلى زيادة حجم عملها مع استمرار تدهور سمعة “إسرائيل”.



