انفجار سكاني بالعراق في ظل اقتصاد ريعي وتعطيل للأيدي العاملة

بيانات التعداد الأخيرة تدق ناقوس الخطر
المراقب العراقي/ أحمد سعدون..
بعد اعلان وزارة التخطيط، النتائج النهائية للتعداد العام للسكان، تبين أن عدد سكان العراق بلغ 46118793 نسمة، مع نسبة نمو سنوية وصلت إلى 2.5 بالمئة، فيما تشكّل الفئة العمرية من صفر إلى 14 عاماً ما يقارب 16.5 مليون نسمة بنسبة 35.9 بالمئة من مجموع السكان، هذه الأرقام تضع البلاد أمام واقع حساس يعكس مجتمعاً شاباً واسع القاعدة مع نمو سكاني متصاعد، لكنه في الوقت نفسه يعاني ضعفاً واضحاً في قدرات الاقتصاد الوطني والبُنى التحتية على استيعاب هذا التوسع.
ويأتي هذا التعداد بعد أكثر من ثلاثة عقود على آخر إحصاء شامل، ما يمنحه أهمية مضاعفة، خصوصاً أنه أُنجِز بآليات رقمية وحديثة تمهد للانتقال إلى التعدادات السجلية، لكن رغم التقدم التقني، تكشف النتائج عن فجوة كبيرة بين حجم السكان وبين قدرة الدولة على التخطيط الفعّال، فمحافظة بغداد وحدها ارتفع عدد سكانها إلى نحو عشرة ملايين نسمة، بعدما كان نصف هذا العدد تقريباً في العقود السابقة، بينما ظل تطور الخدمات والطرق والمدارس والمستشفيات محدوداً لا يتناسب مع هذه الزيادة.
ويشير خبراء التنمية البشرية إلى أن “العراق اليوم أمام تركيبة سكانية قد تكون فرصة تنموية ضخمة، لكنها قد تتحول إلى عبء ثقيل في حال استمرار الاعتماد على الاقتصاد الريعي، مؤكدين، أن المجتمع الشاب يمكن أن يكون محركاً للنمو، إلا أن ذلك يتطلب سوق عمل متنوعاً واقتصاداً إنتاجياً قادراً على خلق مئات آلاف الفرص سنوياً، لافتين الى أن التعداد أظهر حقيقة لا يمكن تجاهلها، وهي أن النمو السكاني يتقدم بسرعة أكبر بكثير من وتيرة التنمية والخدمات، الأمر الذي قد يؤدي إلى ضغط كبير على الدولة خلال السنوات المقبلة”.
كما بيّن متخصصون في التخطيط الحضري، أن شبكات المياه والصرف الصحي والطرق العامة والمدارس تعاني الترهل لقدمها وتحتاج إلى تحديث عاجل، محذرين من أن استمرار الضغط السكاني دون معالجة بنيوية سيؤدي إلى تراجع أكبر في مستوى الخدمات، مؤكدين ضرورة إطلاق خطة وطنية طويلة الأمد لتطوير البنى التحتية بما ينسجم مع التعداد الجديد.
وحول هذا الموضوع، يرى الخبير الاقتصادي صالح مهدي الهماش في حديث لـ”المراقب العراقي”، أن “معالجة هذه التحديات تستلزم وضع استراتيجية سكانية تمتد لعشرين عاماً، بالإضافة الى تنويع مصادر الدخل عبر دعم الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات اللوجستية، وتطوير التعليم ليتلاءم مع احتياجات سوق العمل، كما يتطلب إنشاء مدن جديدة مخططة لاستيعاب التوسع العمراني، وباعتماد نظم رقمية متقدمة لمتابعة التغيرات السكانية”.
وأضاف، أن “العراق يمتلك قاعدة بشرية شابة قادرة على إحداث تحول اقتصادي كبير، إذا ما تم استثمارها بشكل صحيح، لكن غياب السياسات التنموية الفاعلة واستمرار الاعتماد على النفط وتراجع القطاعات الإنتاجية، قد يحول هذا النمو السكاني إلى تحدٍ خطير يضغط على الاقتصاد والخدمات، ويهدد الاستقرار الاجتماعي خلال السنوات المقبلة”.
ولفت الى ان “العراق يقف أمام فرصة ذهبية لبناء اقتصاد قوي قائم على مجتمع شاب وطاقات بشرية واسعة، ولكن تحويل هذه الفرصة الى قوة تنموية تتطلب قرارات جريئة وتخطيطاً مركزياً طويل الأمد ينهض بجميع القطاعات التي من شأنها تطوير الاقتصاد العراقي وتقفز به لكي يستطيع الالتحاق بالدول المتقدمة التي تعتمد على الطاقة الشبابية والثروات الطبيعية”.
ووفق هذا التعداد، أكدت هيأة الإحصاء والمعلومات الجغرافية، انها حصلت على كم هائل من المعلومات التي ستكون بوصلة للخطط التنموية للحكومة العراقية والمفتاح الرئيس لوضع المشاريع في أماكنها الحقيقية، إضافة إلى ما سيطلع عليه الباحثون من تفاصيل ومعلومات ستكون هي الخريطة التي ترسم السياسات التي تبنى على عدد السكان.



