وزارة التربية.. نزيف مالي “مزمن” وتراجع في جودة التعليم

وسط شُح الكتب المدرسية
المراقب العراقي/ أحمد سعدون..
باتت وزارة التربية في العراق، تحت مجهر النقد الحاد، ليس فقط بسبب النقص المستمر في الكتب الذي يعرقل العملية التعليمية، بل أيضاً باعتبارها إحدى الوزارات التي تمارس فيها المحاصصة الحزبية والطائفية وهدر المال العام بشكل صارخ، ففي كل عام، يكتشف الطلاب نقصاً في كتبهم المدرسية أو الطباعة بطريقة رديئة، في حين تتوزع المناقصات وترسو العقود خلف الكواليس السياسية، بعيدًا عن الشفافية والمحاسبة.
وبحسب تحقيقات ميدانية، تم ضبط مخازن بوقت سابق فيها ما يقرب من 100،000 نسخة من الكتب المدرسية تسربت إلى السوق السوداء بعد خروجها من مخازن الوزارة، ما يكشف عن شبكة تهريب داخلي وإهمال مؤسساتي متعمد، وفي وقت تعزو فيه الوزارة هذه الأزمة إلى نقص الاعتمادات المالية، إلا ان الحقيقة تقول، إن المال العام يصرف في ظروف غامضة، وترسو عقود بملايين الدولارات الى شركات تفتقر إلى الكفاءة، ما يعيد إنتاج ثقافة الفشل والهدر.
بينما يرى مراقبون، ان المحاصصة الحزبية، تلعب الدور الأكبر في إدارة وزارة في ظاهرها خدمة تعليم المواطن، لكنها في الواقع ملحق انتخابي تستخدم فيه التعيينات والتوزيع والمشاريع لتقوية الولاءات، وليس لتحسين الجودة، مبينين انه عندما تفضل الولاءات الحزبية على كفاءة المعلم، يتحول التعليم إلى ساحة احتكار حزبي بعيدة عن مصلحة الطالب.
كما ان وزارة التربية تبدو اليوم وكأنها خزانة لحسابات الأحزاب أكثر من أن تكون مؤسسة لتعليم أبناء البلد، وأن المال العام يستنزف في مخططات حزبية، بينما الطالب يستقبل كل عام بانتظار كتاب لم يطبع أو يوزع.
وأوضح مختصون في الشؤون التربوية، ان “تأخر التوزيع السنوي للكتب أو حصول بعض المدارس على نسخ قديمة، هو دليل صارخ على ان الوزارة صارت تحت رحمة المحاصصة الحزبية، التي تنظم التعيينات وتوزع الموارد، لا بحسب الحاجة أو الكفاءة، بل بحسب الولاء”.
وأشاروا إلى ان “غياب المساءلة والشفافية شجع على ثقافة الغش المؤسساتي داخل الوزارة، فالتوظيف والتوزيع والإمداد تتحرك خلف ستار الولاءات، بدلاً من أن تكون خدمة للمؤسسة التربوية، مؤكدين، ان هذا الواقع يعكس صورة بان الكتب المدرسية التي لا تصل أو تصل متأخرة، هي نتيجة طبيعية لهدر المال العام، وإن هذه الوزارة ليست للمصلحة العامة، بل لدوائر الداخل الحزبي.
وفي السياق نفسه، اتهم المهتم بالشأن السياسي والاقتصادي ضياء الشريفي في حديث لـ”المراقب العراقي”، جهات حزبية تسيطر على وزارة التربية، بتحولها إلى منفذ مالي خاص بها وبأحزابها، لا إلى وزارة تُعنى بالتعليم وتنشئة الأجيال، مؤكداً، أن “الوزارة أصبحت منذ سنوات مجرد غطاء لتغذية شبكات الفساد والولاءات، من خلال العقود والتعيينات والمناهج وعمليات الطباعة والتوزيع”.
وأضاف، أن “الميزانيات الضخمة التي تخصص سنوياً للتربية، خاصة في ملف طباعة الكتب وتجهيز المدارس، لا تعود على الطالب بأية فائدة حقيقية، بل تستخدم كغنائم تتقاسمها الكتل السياسية داخل الوزارة، في صفقات تشوبها الشبهات وتفتقر لأبسط معايير النزاهة والشفافية”.
وأشار إلى أن “الطباعة تحال إلى مطابع وشركات لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بأحزاب متنفذة، والمبالغ تهدر في مراحل النقل والتوزيع عبر وسطاء غير مؤهلين، فقط لأنهم محسوبون على هذه الجهة أو تلك”.
ولفت الى أن “ما يحدث في وزارة التربية، لا يمكن وصفه إلا بأنه استباحة للمال العام باسم التعليم، إذ تحولت المدارس والكتب إلى أدوات مساومة، والمناصب إلى جوائز ولاء”.
ودعا الشريفي الى “إبعاد هذه الوزارة المهمة عن شبح المحاصصة المقيتة والصفقات المشبوهة وإعادتها إلى خدمتها الحقيقية، وهي تعليم الأجيال وإعدادهم للمستقبل، لا لتثبيت مواقع زعيم أو حزب”.



