صوت الأرض.. وضمير الناس

بقلم/ د. ياس خضر..
في زمن تتداخل فيه المصالح، وتخبو فيه الأصوات الحرة تحت وطأة التهميش أو القمع أو حتى الخذلان، يخرج من بين الناس صوتٌ لا يُشترى، ولا يُهادن، ولا يُساوم، إنه صوت الشعب حين يعلو مطالبًا بحقوقه، وصوت الأرض حين يتكلم من أفواه من لم يغادروها، ولم يتنكروا لها.
استحقاقات المواطن ليست منّة من أحد، بل هي حقوق أصيلة وثابتة، الثروات التي تختزنها الأرض العراقية ليست ملكًا للسلطة، ولا حكراً على فئة، بل هي ملك الشعب العراقي بكل أطيافه، من الجنوب حتى الشمال، ومن المدن حتى القرى. ومع ذلك، لا يزال المواطن يرزح تحت عبء البطالة، ويصارع غلاء المعيشة، وينتظر فرصاً تليق بكرامته.
في هذا السياق، برزت حركة “حقوق” كصوت جماهيري نقي، ينبع من بسالة الناس، وشهامتهم، وارتباطهم العميق بأرضهم، لم تكن مجرد ردة فعل غاضبة، بل كانت موقفاً وطنياً شجاعاً، قائماً على الإدراك بأن السكوت عن الحقوق، يساوي التنازل عنها، لقد عبّرت هذه الحركة عن وجدان الكثيرين ممن اختاروا الكفاح السلمي والموقف النبيل على الاستسلام أو المسايرة.
دافعت “حقوق” عن قوت الناس وكرامتهم، وطالبت بحقوقهم في الثروة الوطنية، في التعيين، في العدالة، في توزيع الموارد، ولكنها لم تكتفِ بالمطالب المعيشية، بل وقفت بقوة وصلابة إلى جانب القضايا السيادية للعراق، وعلى رأسها قضية خور عبد الله، تلك البقعة الجغرافية التي تحوّلت إلى رمزٍ لصراع الإرادة الوطنية مع الضغوط الإقليمية والدولية.
إن الدفاع عن السيادة، شأنه شأن الدفاع عن الخبز، ولا يقل أهمية، فالوطن لا يُبنى على أراضٍ مرتهنة، ولا تُصان كرامة في ظل صفقات مشبوهة، وحين يتقدّم الشعب ليقول “لا”، فإنه لا يقولها عبثاً، بل يرفعها راية في وجه التنازل والانكسار.
هكذا تتحول الحركات الشعبية الواعية إلى بوصلات أخلاقية وسياسية، تذكّر الجميع – حكاماً ومعارضين – بأن العراق ليس ساحة لتصفية الحسابات، ولا مجرد حقل نفط، ولا مجرد منفذ حدودي، بل وطنٌ له ناسه، وتأريخه، ومكانته، وكرامته.
إنها دعوة مفتوحة للاستماع لصوت الشعب الحقيقي، صوت “حقوق” وأمثالها، لا تلك الأصوات التي ترتفع فقط حين يعلو الطمع، أو حين تُفتح أبواب المكاسب.
فالعراق لا يحتاج لمن يتكلم باسمه من أبراج عاجية، بل يحتاج من يقف معه على الأرض، بضمير نقي، وصوت حر، ويدٍ تبني لا تهدم.



