اخر الأخباراوراق المراقب

كيف يكون العلم طريقاً للسعادة؟

لنا أن نسأل هنا: هل للعلم دورٌ في تحضير الهيرويين أم لا؟ نعم، للعلم دورٌ في ذلك، لكن ليس العلم بحقيقته المجرّدة صنع ذلك، بل الرّغبات الشهوانيّة الشيطانيّة هي الّتي صنعته؛ لأنّ العلم كالمصباح بيد الإنسان، أين ما أخذه أضاء له ذلك الحيّز الّذي اصطحب معه المصباح إليه. فالمُهمّ هنا هو هدف حامل المصباح وغايته. فمثلًا، صيدلانيٌّ ما حائزٌ على شهادة عالية، في حين يكون دخله الشهريّ ثلاثة أو أربعة آلاف تومانًا، فهل يمكننا هنا عدّ الهيرويين السامّ نتاج التطوّر الزمني والتقدّم العلمي في هذا القرن، ونقرّ به، ونتعاطاه على أنّه من متطلّبات العصر!؟.

إذًا، العلم المطلوب هو العلم النافع المفيد للبشريّة، والّذي يكون بيد العناصر الخيّرة في المجتمع، وما أعظم القرآن حين يذكر استعدادَيْن عند الإنسان في آنٍ واحد، أي متحدَّيْن معًا وهما: استعداده للإبداع، وقد تمثّل في قوله تعالى: ﴿إنا عرضنا الامانة﴾، واستعداده للظلم وقد تجسّد في قوله تبارك اسمه: ﴿إنه كان ظلوما جهورا﴾ فهما لا ينفصلان عن بعضهما بعضًا، أيّ إنّ وجود الاستعداد للظلم قد جعل الإبداع البشري في خدمة توجهه، والنتيجة هي عندما تصبّ قابلية الإبداع في خدمة النزوات الشخصيّة الشهوانيّة، فمن الطبيعي أن تكون هناك أفلام مدمّرة هدّامة، ويكون هناك هيرويين.

نظرة الإسلام للتطوّر الإنسانيّ

إذًا، نفهم من هذا كلّه أنّ الإنسان كما يمكنه أن يتقدّم ويتطوّر، كذلك يمكن أن ينحرف، ولقد أخبرنا معلّمو الأخلاق منذ أقدم العصور بهذا الأمر، إذ ذكروا أنّ وجود العلم عند الإنسان لا يدلّ على أنّه سيجعله في خدمة البشريّة، إذ يمكن أن يكون هناك عالم لكن يسخّر علمه في خدمة شهوته.

يقول أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): “… ها إنّ ها هنا لعلمًا جمًّا (وأشار بيده إلى صدره) لو أصبتُ له حَمَلَةً! بلى أصبتُ لقنًا غير مأمونٍ عليه، مستعملًا آلة الدين للدّنيا، ومستظهرًا بنعم الله على عباده، وبحججه على أوليائه، أو منقادًا لحملة الحقّ، لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشكّ في قلبه لأوّل عارض من شبهة، ألا لا ذا ولا ذاك! أو منهومًا باللذّة، سلس القياد للشهوة، أو مُغرمًا بالجمع والادّخار”.

إذًا، هذا معيار يمكن أن نحصل عليه لنحكم على التطوّرات الّتي تطرأ في كلّ عصر، أيّ منها تطوّرات مفيدة نافعة، وأيّ منها مضرّة ورديئة. وفي التطوّرات الّتي تصبّ في خدمة النزوات الشخصيّة المغرضة، لا ينبغي مجاراتها على أنّها من متطلّبات العصر؛ لأنّ هذه المجاراة تعني السقوط والتردّي.

ولمّا قلتم إنّ هذا العصر هو عصر العلم. فنقول: نعم، إنّه عصر العلم، ولكن هل العلم وحده؟ وهل نضبت مناهل الوجود الإنسانيّ الأخرى ليبقى العلم وحده؟ وهل يكفي أن يكون الإنسان عالمًا فقط؟ ألم تكن عند هذا الإنسان طاقات أخرى؟.

ومن الملفت للنظر أنّه لم يسترق العلم في عصر من العصور كما استرق في عصرنا هذا، لذلك لا ينبغي أن نطلق على هذا العصر “عصر العلم”، بل عصر استرقاق العلم، وعصر أسر العلم، أي لم يترك العلم حُرًّا كما هو، ولم يطلق له العنان، أن يؤدّي دوره المطلوب في خير البشرية ونفعها، كما كان في الإعصار المنصرمة، فقد كان أكثر انطلاقًا، ولم تمرّ عليه فترة لقي فيها من التعاسة والاستغلال والتكبيل، كما لقي في واقعنا المعاصر هذا.

ولو تابعتم الأحداث لوجدتم أنّه بمجرّد ظهور عالم حاذق في حقل من الحقول كحقل الاختراع مثلًا أو علم النفس، فإنّ القوى السياسيّة المتسلّطة تبادر فورًا إلى كسبه ووضعه تحت تصرفها، مطالبةً إيّاه أن يسخّر علمه في خدمة أهدافها وتوجّهاتها. ولا حيلة له عندئذٍ، ولعلّ أفضل مثال على ذلك هم “علماء الذرّة” الّذين هم أتعس حظًّا من الآخرين في عالم اليوم. ففي كلّ مكان يبرز فيه عالم ذرّي من الطراز الأوّل، فإنّ تلك القوى المتمكّنة تبادر إلى اعتقاله ليضع علمه تحت تصرّفها لئلّا يطّلع على ذلك الأعداء. وتنظّم تلك القوى برنامجًا معيّنًا وتطلب من ذلك العالم أن يعمل في ضوئه وليس له أن يخرج عليه أو يحيد عنه، بل ليس له حقّ الحياة دونه مع العلم أنّ العلماء من الطراز الأوّل حيثما وجدوا، فإنّهم يعلمون أسرارًا من العلوم الطبيعيّة لا يعلمها غيرهم.

إذاً أيّ عصر علم هذا؟ نعم، قد نعبّر عنه أنّه عصر العلم، ولكن ليس عصر حريّة العلم، بل استرقاق العلم وأسره، إنّه عصر سيطرة قوى أخرى غير قوّة العلم على مقرّرات الشعوب ومصائرها، وكذلك استغلال تلك القوى لقابليات العلماء كوسيلة لتحقيق أهدافها.

ولو قلنا عندئذٍ: إنّنا لا ينبغي أن نساير متطلّبات العصر وتطوّراته بشكل تامّ مطلق، فإنّ هذا لا يعني تعارضًا مع العلم والتطوّر، وإنّما يعني إقرارًا بالواقع حيث إنّ سبب ما ذكرنا هو أنّا نعلم أنّه لم يحن إلى حدّ الآن عصر يكون العلم فيه حُرًّا أو العقل حُرًّا، أو تكون للاثنَيْن سيطرة على شهوات الناس وحبّهم للجاه والشهرة. وبعبارة أخرى، لم يأت عصر يكون فيه “أينشتاين” حاكمًا و”روزفلت” محكومًا، بل العكس هو الصحيح. ولـ”أفلاطون” نظرية معروفة هي نظرية “المدينة الفاضلة”، حيث يقول فيها: “إنّ العالم لا يرى السعادة إلّا في زمان يكون فيه الحكماء حُكّامًا، والحكّام حكماء، أمّا إذا كان الحكماء شريحة، والحكّام شريحة أخرى فلا يرى سعادة أبدًا”.

ونعتقد نحن المسلمين ولا سيّما أتباع أهل البيت (عليهم السلام) أنّ عصر السعادة الحقيقيّة للبشريّة هو عصر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، وهو عصر العدالة بكلّ ما للكلمة من معنى. وهو العصر نفسه الذي تكون أوّل ميزاته تحكم العقل لا الهوى في الميادين المختلفة، وكذلك هو عصر تكون للعلم فيه منزلته الخاصّة به، حيث لن يكون مسترقًا مكبّلًا، ولا بدّ أن يكون كذلك، ويعبّر أمير المؤمنين (عليه السلام) عنه بأنّه عصر يرتشف فيه الناس كأس العلم والمعرفة، حيث يقول (عليه السلام): “ويُغْبَقون كأس الحكمة بعد الصَّبوح”.

وورد في الكافي، أنّ في عصر الظهور، يضع المهدي يده على رؤوس الناس فتزداد عقولهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى