الوعي بالزمن.. تثمين للذات وتقدير للعمر

مرتضى معاش..
(وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) سورة العصر.
هذا الكون والوجود المادي الذي يجسده يقوم على ثلاثة أبعاد، الطول، العرض، الارتفاع، وهذا الكون هو في حركة دائمة، وحركته هي التي تصنع الزمن، لذلك يسمى الزمكان وهو مصطلح مجازي، وهو يعني الاختلاط بين الزمان والمكان، فلا يمكن أن نتصور وجود الكون أو الأشياء المادية بلا بعد زمني، فالزمن هو البعد الرابع في يحقق وجود الكون، لذلك لا يمكن اعتبار الزمان والمكان شيئين منفصلين، لذلك يبقى الزمان والمكان موجودين معا ما دام الكون يتحرك، ووجوده المادي يقوم على هذه الحركة بحيث ينتفي اذا توقف عن الحركة.
ومن هنا فإن كل شيء في الكون يتحرك على الدوام نحو المستقبل، وبذلك يتغير المكان بتغير الزمان من لحظة إلى أخرى.
فعلى سبيل المثال كان الناس في السابق الذين يسافرون إلى أماكن بعيدة، مثل الصين، في بعض الأحيان تستغرق رحلتهم عشر سنوات، فالأب مثلا سافر وكان عنده أولاد صغار، فطالت سفرته عشر سنوات، فالطفل كبر وأصبح مراهقا، فالأب الذي ذهب للصين وعاد منها والطفل زاد عمره عشر سنوات، فأصبح شابّا أو مراهقا أو أكثر من ذلك.
ولكن في العصر الحالي، إذا سافر الأب إلى الصين، وعاد بعد أسبوع، فسوف يجد ابنه كما هو، لم يتغير فيه شيء، فالزمن له تأثير كبير في تغيير الإنسان ماديا ومعنويا، فهذا هو تأثير العامل الزماني في الوجود المكاني، ولكننا بطبيعتنا جامدون راكدون لا نشعر بالحركة المستمرة في الحياة، فكل لحظة وكل آن هي حركة، وهو انقضاء لزمن وانتهاء للحظة.
نحن كراكب السفينة يشعر كأنه متوقّف في مكانه، ولكنها في الحقيقة تواصل حركتها، فالحياة كذلك تتحرك وإنْ توقفنا نحن عن الحركة.
الوعي بالسير نحو المستقبل
والآية القرآنية: (والعصر إن الإنسان لفي خسر) تعبر عن خسارة الإنسان لحظات عمره بمرور الزمن وسيره نحو المستقبل، لذلك لابد أن يعي ويعرف بأن هذا الزمن له دور في تشكيل وجوده بالحياة حتى يستطيع أن يتعامل مع الزمن بصورة سليمة، الآن هناك الكثير من الناس راكدون جامدون، لا يشعر أحدهم بالزمن، فبعضهم حتى بعد مرور 30 سنة يبقى نفسه لا يتغيّر، دون أن يلاحظ أن عامل الزمن حركي وليس جامدا راكدا، بينما نلاحظ إنسانا آخر يتحرك ويبحث ويعمل ويُنجز ويحاول ان يتسابق مع الزمن الذي يدرك أنه يخسره.
لذلك يطرح السؤال نفسه عن هذه القضية، كيف نستثمر الزمن ونجعله أساسيا في تقدم حياتنا؟



