“تذكرة ذهاب فقط”رجل يترك بلده حاملاً ذكريات ومستقبلاً ضبابياً

يصف بسّام وهبة مسرحيته “تذكرة ذهاب فقط” وهي مونودراما، بأنها “المشروع الشخصي أو الطفل المدلّل”. هو عرض منفرد، لكنه مكتنز بالوجوه والأصوات التي تسكن ذاكرة كل مغترب. فالنص يُبنى على تجربة وهبة الخاصة، لينفتح على قضية الاغتراب التي تطال معظم اللبنانيين: حقيبة السفر التي تتحول إلى رمز للانتظار والتيه، الحدود التي لا تُعرف إن كانت بداية أم نهاية، والسؤال الدائم: البقاء أم الرحيل؟.
“Subject me. Verb LEAVE. Object you.” بهذه الصياغة البسيطة يلخّص وهبة جوهر العرض: فعل المغادرة الذي لا يترك أحداً بريئاً منه. يروي قصة رجل يترك بلده، حاملاً ذكريات تتطفل على الحاضر ومستقبلاً ضبابياً لا ملامح واضحة له. العرض يتأرجح بين السخرية الدقيقة واللحظة المؤلمة، فيغدو مضحكاً ومؤثراً في آن.
الغربة هنا ليست مجرد انتقال جغرافي، بل قطيعة داخلية، هي شعور بأنك حاضر بجسدك في مكان، فيما يبقى قلبك معلّقاً في مكان آخر. حقيبة السفر في العرض تختصر حياة كاملة، والسلّم يوحي بصعود لانهائي أو سقوط متكرر، بينما الكرسي الصغير يرمز إلى استراحة قصيرة وسط طريق طويل. وهبة يملأ هذا الفراغ الرمزي بحضوره الجسدي وصوته، محوّلاً التجربة الفردية إلى سؤال جماعي عن هوية مفقودة وانتماء معلّق.
على الخشبة، يستعيد الممثل صور المدرسة والراهبات باعتبارها جزءاً من ذاكرته الشخصية والجماعية، ليكشف من خلالها عن تصادم بين ثقافة محلية وتقاليد وافدة لكنها كشفت أيضاً الفوارق بين العادات والتقاليد. المسرح، في العرض، يصبح مساحة لإعادة النظر في هذه التناقضات، عبر حكاية فردية تُضيء على جرح لبناني عام.



