في ذكرى مولده.. العودة الى إسلامه

في الأيام العشرة الثانية من شهر ربيع الأول، من كل عام، يحتفي المسلمون بمولد نبي الإسلام محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، الذي أرسله الله سبحانه رحمة للبشرية، يقول (عز وجل): (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) وقال تعالى: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).
ولأن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) هو القدوة والأسوة التي يجتمع حولها المسلمون بشتى مذاهبهم الفقهية والفكرية، حريٌ بالمسلمين أن يستحضروا أولاً أخلاقه (صلى الله عليه وآله) التي بنى عليها تعامله في المجالات كافّة؛ السياسية والحربية والحكومية والاقتصادية والمجتمعية والأسرية، فكانت مكارم الأخلاق معيار منهجه وأسلوبه.
لقد أصلح النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بين قبيلتي الأوس والخزرج، من بعد اقتتال دام ثلاثمائة عام، وغرس الأخوّة والألفة فيما بينهم. ودأب على نشر الرحمة بين الناس، فقال (صلى الله عليه وآله): “الخَلْقُ عيال الله، وأحبّ الخلق إلى الله مَن نَفع عيالَ الله، وأدخل على بيتٍ سروراً” ودعا الى التعاون والتكافل والشعور بالمسؤولية تجاه بعضنا بعضاً، فقال (صلى الله عليه وآله): “مَن أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم”.
وهكذا، فإن الواقع المثخن بالظلم والكراهية والبغضاء والفرقة والفقر والتخلف والفساد بكل أنواعه؛ السياسي والحكومي والقضائي والمجتمعي والأخلاقي، في العديد من دول المسلمين، قطعاً، ليس من الإسلام، ولا من القرآن، ولا من سيرة النبيّ الكريم (صلى الله عليه وآله)، بل هو واقع بعيد عن ذلك كلّه، ففي حكومة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي امتدّت لعشر سنين، وأيضاً في فترة حكومة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) التي لم تدم سوى أربع سنوات وبضعة أشهر، ومع كثرة المشاكل التي واجهتهما، لم يكن بين المسلمين من هو فقير أو جائع أو مظلوم أو خائف، رغم أن الدولة الإسلامية كانت واسعة الأرجاء.
النجاح العظيم لحكومة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يأتِ عن فراغ، ولا بالتمنيات، إنما تحقق ذلك النجاح الاستثنائي في تأريخ البشرية، لأن الحاكم كان يخاف الله تعالى، وكان أميناً ونزيهاً وعادلاً وحكيماً ورؤوفاً ورحيماً، وكان قوياً في الحق وصنديداً في صد الظلم، وكان باسلاً وشجاعاً في محاربة الفساد ومقارعة الفاسدين، وكان يراقب ويحاسب نفسه قبل غيره، فيقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): “وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق، ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى؟ أو أكون كما قال القائل – وحسبك داء أن تبيت ببطنة/ وحولك أكباد تحن إلى القد! أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش. فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها، تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها أو أترك سدى أو أهمل عابثا أو أجر حبل الضلالة أو اعتسف طريق المتاهة”.
وهكذا، من بين الرواة والمؤرخين، والكتّاب والمستشرقين، المسلمين وغير المسلمين، لم يختلف اثنان على أنه في حكومتي سيد المرسلين وأمير المؤمنين عاش الشعب بحرية وعدالة وأمان ورفاه ورخاء، على العكس من هذا الزمن المتخم بأزمات متعددة حيث العديد من شعوب العالم – ومنهم معظم المسلمين – الظلم والفقر والقمع والبطالة والمرض، وهو ما يؤكد ابتعاد المسلمين، خاصة العلماء والأمراء، عن الإسلام.



