“سيرك” تنير ليالي مهرجان القاهرة الدولي للمسرح

رؤية إخراجية إبداعية وأداء تمثيلي مؤثر
المراقب العراقي/ المحرر الثقافي…
حقق العرض المسرحي العراقي “سيرك” المشارك في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بدورته 32، تفاعلاً لافتاً، وإشادة كبيرة من الجمهور لما حمله من رؤية إبداعية متميزة وأداء مسرحي مؤثر، عبّر عن حضور فني عراقي متألق على خشبة المسرح العربي، وهو من تأليف وإخراج جواد الأسدي وتمثيل شذى سالم، أحمد شرجي، علاء قحطان، وسلّط الضوء على التفكك الذي يضرب المجتمعات الإنسانية، وانهيار المدن المتحضرة وتحولها إلى رماد، في نزعة وحشية تمثلت في إبادة البشر وتهجيرهم من بيوتهم إلى منافٍ موحشة في واحد من العروض الطليعية التي أثارت جدلاً واسعاً عند عرضها في بغداد، وكتبت عنه العديد من المقالات النقدية التي أثنت على العرض ومنظومة الأداء في بغداد والقاهرة.
وقال الناقد راسم منصور في قراءة نقدية خصَّ بها “المراقب العراقي”: “قليلون جدًا من يستحقون لقب “ممثل”، ولكن كُثر من يمتهنون هذه الحرفة، ولعل أكثر أنواع التمثيل إرهاقًا هو التمثيل للمسرح، المسرح بمفهومه العميق فكر وجمال، المسرح القادر على تحريك العقل واستنطاقه، المسرح المُحَرِّض، المسرح الذي يترك للمشاهد هامشًا كبيرًا من حرية التفكير واختيار الموقف، المسرح القادر على أن يكون لحظات كاشفة للإنسان نفسه”.
وأضاف: أن “العراق كبلد واحد من أهم بلدان هذا النوع من المسرح، وفيه تخمة كبيرة من الممثلين سواء حقيقيين أو أدعياء، ولكنني سأتحدث عن اثنين منهم، وهما الفنان الدكتور أحمد شرجي والفنان الدكتور علاء قحطان. هذا الثنائي شاهدته في عرض (سيرك) للمخرج المبدع الفنان الدكتور جواد الأسدي وبطولتهم برفقة الفنانة والدكتورة الممثلة الكبيرة شذى سالم”.
وتابع: “كنت أخشى عليهم من عبء المسؤولية، وثقل اللقب، وأهمية أن يكونا من العراق، لكنهما كانا مفاجأة كبرى لي، ولكل من شاهد العرض، ممثلان لديهما ما يكفي من الوعي والحرفة والدُربة الحقيقية، أدوات شبه مكتملة سواء الصوتية أو الجسدية أو التعبيرية، ينساب الأداء بسهولة صعبة، ويقترب من لمس قلوب المشاهدين، هما يلمسان قلبك دون أن تشعر، لأن ما فعلاه كان مخططًا له وبصرامة”.
وأوضح، أن “أحمد شرجي كان يسير بخفة الطائر ويصمت وكأن صمته حوار مباشر مع النفس، عيناه تتحدثان بمنولوجات طويلة ولكنها سهلة الوصول للفهم، بريق وجهه يصل لك ويخترق وعيك أنت كمتلقٍّ، صوته متلون إلى الحد الذي تعتقد أنه أكثر من (أحمد شرجي) وتشك أنه ممثل واحد فقط”.
وبيّن، ان “علاء قحطان اختار لنفسه كاركترًا لن يُنسى أبدًا، وجعلنا نصدقه، رغم أنه كان هو نفسه يتمرد على هذا الكاركتر ليخرج لنا بكاريكاتير آخر أكثر أناقة وتأثيرًا، هو يمنح الكلمة حقها مثل زميله أحمد، ويمنحها بُعدًا مسرحيًا يجعلنا نصدق ونؤمن بأن ما يفعله هو الشخصية المتخيلة للكاتب جواد الأسدي. لقد كانا بارعين إلى حد أنني شعرت بالسعادة، أن فن التمثيل في بلادي مازال واقفًا على قدميه وبثبات، ومازلنا نملك مثل هؤلاء الممثلين القادرين على دحض الأوهام التي يعجُّ بها فضاء المسرح وفضاء التمثيل”.
وأكمل، “قد لا يبدو هذا سهلًا أبدًا، وهو بالتأكيد ليس سهلًا، لأن مثل هذا الأداء بحاجة إلى استعداد وتدريب وتمكُّن صارم، والأهم بحاجة إلى مُراقِب وصانع اسمه “إخراج” كما أنه ليس سهلًا، لأنه مع مخرج معروف بصرامته المسرحية وبقدراته الهائلة على صنع العرض المسرحي المُدهِش، ومعه صناعة هذا الذي قلته كله”.



