اراء

إيران لا تستسلم … ولا تنتحر .!

كتب : جمعة ارحيمة الفرطوسي..

في زحمة الضجيج الإقليمي، ووسط سحب الدخان المتصاعدة من حرب العقل والسلاح بين إيران وإسرائيل، تُطلّ علينا الحقيقة من نافذةٍ ضيّقة، لكنها جليّة إيران لا تستسلم، لكنها أيضًا لا تنتحر.

هذه المعادلة ليست نابعة من ضعف أو خوف، بل من إدراك تاريخي عميق بأن الأمة التي تناضل يجب أن تُحسن اختيار توقيت الاشتباك وموضع السيف، فإيران، التي تلقت الضربات وأعادت توزيعها بأضعاف، تدرك أن الكرامة ليست في ردّ الفعل الهائج، بل في التصميم العميق على خوض معركة الاستنزاف بقوانينها الخاصة.

هي لا تستسلم، لأنها تمثل مشروعًا وجوديًا يرتكز على بناء ذاتٍ مستقلة وسيادة غير قابلة للمساومة ، محاولات الإخضاع والحصار والعزل لم تُنتج خضوعًا، بل زادت مناعتها السياسية والعسكرية، وأفرزت جيلاً جديدًا من الردع الاستراتيجي.

لكنها لا تنتحر، لأنها تفهم أن الشهادة ليست في حرق الذات، بل في حماية الهدف والبقاء من أجل الرسالة ، في الوقت الذي كانت فيه تل أبيب تضرب هنا وهناك، كانت طهران تبتكر لغة الرد غير التقليدية؛ تُرسل رسائلها بصواريخ، وتوقّعها بالحكمة. تتأنّى، لا لأنها تخاف، بل لأنها تدرك أن النهايات تُكتب بالعقل لا بالغضب، وأن الحرب ليست إعلانًا في نشرة أخبار بل مستقبل أمة بأكملها.

في عيون خصومها، تبدو إيران لغزًا لماذا لا تردّ فورًا؟ لماذا لا تغرق في الفوضى؟ والإجابة ببساطة لأن إيران مشروع دولة ومقاومة لا رغبة انتحار وعويل إعلامي.

تتحرك كمن يُمسك بقبضة نار دون أن يحترق، تتجنب الفخاخ المنصوبة في التصعيد السريع، وتعرف أن المطلوب ليس النصر في معركة واحدة، بل الانتصار في الصراع على الزمن.

من هنا، يبدو الهدوء الإيراني في بعض اللحظات مثار سخرية للسطحيين، لكنه في عمقه هدوء المحارب العارف بقوة سلاحه، والصابر حتى تكتمل المعركة بشروطه لا بشروط العدو .

إيران لا تستسلم، لا لأنها لا تخشى السقوط، بل لأنها تعلّمت من التاريخ أن الذي يسقط سريعًا هو من يُستدرَج نحو الحافة دون وعي… أما الذي يصنع التاريخ، فهو من يقف على الحافة، ثم يرسم طريقًا جديدًا نحو القمة.

إنها معركة صبر واستراتيجية… وليست رقصة موت .

الرد هو في حسن قراءة الحسابات .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى