السخرية من الطاغية صدام في “وجوه بغداد”

محمد الأحمد..
قبل أن احدثكم عن رواية وجوه بغداد أحببتُ الحديث عن صديقي الحبيب “سالم بن قنديلة” تولد 1960م الأديب الحقيقي والمثقف اطال الله في عمره وابقاهُ ذخراً لنا ورمزاً ناصعاً لمدينتنا “بعقوبة” الطيبة.
ظهرت هذه الرواية باسم “ثلاثة وجوه لبغداد” بداية الثمانينيات من القرن المنصرم، وكانت من بين الروايات التي يصعب الحصول عليها، لأنها حوت على مقطع ٍمن عدّة كلمات يرد فيه اسم “صدام حسين” أيام كان نائباً بطريقة ما تقترب من السخرية، على اثرها مُنِعت من المكتبات، ولم نجد لها اثر، وعندما اعادت نشرها دار “عائدون للنشر” الاردنية2025م، ضمن معروضات معرض “أربيل” الدولي للكتاب 2025، اقنيت نسخة منها، بالرغم من توفرها Pdf، كوني نويتُ اهدائها الى صديقي الغالي “سالم بن قنديلة” القارئ الذي كان نهماً، وفارساً جاداً من فرسان الكلمة الشريفة، والذي (للأسف) أخذته نوبة مرضية مؤلمة لم تفك منه الى يومنا هذا، وجعلته حبيس الذاكرة التي توقفت منذ عام 1990م، اذ بات لا يقبل عبور نوستوليجياه وبقيّ متشبثاً بسفينته القديمة التي لم تفارقه ولم يفارقها، في المرفأ المعزول؛ اذ كان معظم ركابها من عشاق رواية تيار الوعي الذي عصف في الرواية العربية، وزلزل مفاهيمها الى درجة ان معظم كتابنا حبيس تلك الأزمة، وذلك الفهم المشوه، اذ كانت هذه الرواية من بين الروايات التي كتبها “غالب هلسا 1932م – 1989م ” عن العراق، رحمه الله، (هذه الرواية لم تزد عن بطولات شاب عازب يساري أردني مطرود من مصر كتب انطباعاته عن أيام عاشها في العراق يوم كان موظفاً في دار الشؤون الثقافية العامة التابعة الى وزارة الثقافة العراقية). حيث سبق للكاتب أن كتب نماذج من كتب مهمّة لا يمكن عبورها، ومن بين ما اعطانا هذه الرواية “وجوه بغداد” التي تنقل الينا تجربته كصحافي ومترجم وقاص في قصص “زنوج وبدو وفلاحون”، ومجموعة قصصية اخرى اسمها “القديسة هيلانة” اثناء الاعوام 1977-78-79م. صديقنا “بن قنديله” اعجب كثيرا بشخصية “هلسا” بعد أن قرأ له تقريبا معظم المؤلفات السردية، المتوفرة، بعضها اعارنا اياه، ك “الضحك”، “الاطلال” ثم “رياح الخماسين” ايام “المكتبة المركزية البعقوبية العامة” وبعضها الاخر حدثنا عنها “سلطانة”، لم يستطع ان يحصل على نسخة من “وجوه بغداد”، وبقيت توجعه كلما يتذكر شوقه الى معرفة محتواها. كان يحدثنا عن جماليات “غاستون باشلار” عن المكان وبداعة الترجمة، والمفاهيم التي زرعها كإضاءة للأمكنة السردية في النقد العربي. صديقي “سالم بن قنديلة” ما زال بيننا يذكرنا كل لحظة بأيام “غالب هلسا”، الناقد الحاذق ومشاكساته النقدية.. مع كل الاحترام.٠