Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اوراق المراقب

دور العيد في تجديد العهد مع الله تعالى والمجتمع

لكلِّ مجتمعٍ على وجه الأرض مناسبات جميلة يحتفل بها سنويًّا وفقًا لمعتقداتهم، وعند النَّظر إلى الدِّيانات الإلهيَّة، نجد أنَّ كلَّ دينٍ له مناسبات مميَّزة تُسمى (العيد)؛ فالدِّيانة اليهوديَّة تحتفل بعددٍ من الأعياد مثل عيد الفصح، وعيد رأس السَّنة، وعيد السَّبت وغيرها، وأمَّا الدِّيانة المسيحيَّة، فلها أيضًا مجموعة من الأعياد مثل عيد البشارة، وعيد الميلاد، وعيد القيامة وغيرها؛ قال الله (تبارك وتعالى): (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ، والإسلام مثل بقيَّة الأديان والمجتمعات خصص مناسبات للاحتفال بذكريَّات هامَّة في تاريخه؛ مثل عيد الأضحى المبارك، وعيد الفطر المبارك، ويوم الجمعة، وعيد الغدير، ويوم التَّاسع من ربيع الأوَّل، وكذلك مناسبات مواليد المعصومين (عليهم السلام)، والبعثة، والإسراء، والمعراج، وما إلى ذلك ممَّا يدخل الفرح على النُّفوس ويذكِّر بالمناسبات المفرحة.
فكيف ينظر الإسلام إلى مفهوم العيد؟
وما هي أبرز خصائصه؟
وكيف يمكننا استثماره بشكل فعَّال؟
هذه محاور أساسيَّة لا بدَّ من الإلمام بها؛ إذ إنَّ المعرفة تقود إلى العمل وتحقيق ثمار هذا اليوم المبارك؛ لذا، سيتمحور مقالنا حول نقطتين رئيسيتين، تسبقهما تمهيد يُعرِّف بمفهوم العيد.
تعريف العيد:
العيد لغةً: “يستعمل العيد في كلِّ يوم فيه مسرَّة”، وقيل: “العيد السرور العائد”.
وأمَّا العيد في المصطلح الشَّرعي: “هو عبادة يعبِّر بها المسلم من خلالها عن انتصاره فيما سبقها من واجب كعيد الأضحى في إكمال فريضة الحج، وعيد الفطر بعد إكمال فريضة الصِّيام”، وإذا صار معلومًا تعريف العيد نأتي الآن حتَّى نركِّز على محورينِ مهمَّين للغاية:
المحور الأوَّل: مميزات عيد الفطر
يقع عيد الفطر السَّعيد في أوَّل شهر شوَّال المكرَّم وكما هو المعروف، ويتميَّز بمميِّزات عدَّة:
أوَّلًا: يوم نزول الرَّحمة والمغفرة.
عيد الفطر يمثِّل ختام مرحلة زمنيَّة تزوَّد فيها الإنسان بصفات حميدة وخلال طيِّبة، ليكون منطلقًا نحو تحقيق أهداف ساميَّة وإنجاز أعمال صالحة تعكس أثر تلك المرحلة على سلوكه وحياته؛ وبالتَّالي تثمر هذه المدَّة الحصول على رحمة الله (تعالى) ومغفرته؛ عن رسول الله محمَّد (صلى الله عليه وآله): “فَإِذا كانَت غَداةُ يَومِ الفِطرِ بَعَثَ اللهُ المَلائِكَةَ في كُلِّ البِلادِ، فَيَهبِطونَ إلَى الأَرضِ ويَقِفونَ عَلى أفواهِ السِّكَكِ، فَيَقولونَ: يا أمَّةَ مُحَمَّدٍ، اخرُجوا إلى رَبٍّ كَريمٍ؛ يُعطِي الجَزيلَ ويَغفِرُ العَظيمَ، فَإِذا بَرَزوا إلى مُصَلَّاهُم قالَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لِلمَلائِكَةِ: مَلائِكَتي، ما جَزاءُ الأَجيرِ إذا عَمِلَ عَمَلَهُ؟
الشبيه بيوم القيامة
عيد الفطر يشبه يوم القيامة في كونه نهاية فترة من الاختبار والعبادة، وبعدها ينال المؤمنون جزاء أعمالهم، ويستعدُّون للانطلاق نحو مرحلة جديدة من الطَّاعات والإنجازات؛ عن الإمام الصَّادق (عليه السلام): “خَطَبَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ ابنُ أبي طالِبٍ (عليه السلام) يَومَ الفِطرِ فقالَ: أيُّها النّاسُ، إنَّ يَومَكُم هذا يَومٌ يُثابُ فيهِ المُحسِنونَ ويَخسَرُ فيهِ المُبطِلونَ، وهُوَ أشبَهُ بِيَومِ قِيامِكُم، فَاذكُروا بِخُروجِكُم مِن مَنازِلِكُم إلى مُصَلَّاكُم خُروجَكُم مِنَ الأجداثِ إلى رَبِّكُم، وَاذكُروا بِوُقوفِكُم في مُصَلَّاكُم وُقوفَكُم بَينَ يَدَي رَبِّكُم، وَاذكُروا بِرُجوعِكُم إلى مَنازِلِكُم رُجوعَكُم إلى مَنازِلِكُم في الجَنَّةِ!”.
يوم النَّدم على فوات الفرص
يوم العيد فرصة يخسر كلُّ من لم يستغلها للحصول على خير الدنيا والآخرة، وتبدأ هذه الفرصة من مغرب الليلة التي تسبق اليوم إلى مغرب يوم العيد.
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): “مَنْ وَجَدَ مَوْرِدًا عَذْبًا يَرْتَوِي مِنْهُ فَلَمْ يَغْتَنِمْهُ يُوشِكُ أَنْ يَظْمَأَ وَيَطْلُبَهُ فَلَا يَجِدَهُ”.
وعنه (عليه السلام): “مَاضِي يَوْمِكَ فَائِتٌ وَآتِيهِ مُتَّهَمٌ وَوَقْتُكَ مُغْتَنَمٌ، فَبَادِرْ فِيهِ فُرْصَةَ الْإِمْكَانِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَثِقَ بِالزَّمَانِ”. وعنه (عليه السلام): “مَنْ أَخَّرَ الْفُرْصَةَ عَنْ وَقْتِهَا فَلْيَكُنْ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ فَوْتِهَا”.
“نقل أحد العلماء: كنت جالسًا في صحن مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام) في النَّجف الأشرف مع زميل لي، وكان مرجعًا دينيًّا كبيرًا حينذاك، ثمَّ توفَّاه الله (تعالى) إلى رحمته، وكنَّا نتداول بعض البحوث العلميَّة إذ مرَّ من أمامنا سقَّاء يوزِّع الماء من أجل الثَّواب وكسب بعض المال ممن يتطوَّع بتقديمه له، وكان رجلًا كبير السن يحمل جرَّة الماء بصعوبة، فقال لي زميلي المرجع (رحمه الله) هل ترى هذا السقَّاء؟

لقد كنَّا معًا زميلين في الدراسة قبل ثلاثين عامًا، وكان يمتاز بالذَّكاء؛ ولكنه توقَّف عن مواصلة الدراسة بسبب ضغوط الحياة، فلم يقاوم، فترك الدرس، واتَّخذ مهنة السِّقاية للزائرين بدلًا عنها، لعلَّه يحرز جانبًا من تكاليف معيشته!!
ثمَّ قال الناقل: فاصطحبني زميلي (رحمه الله)، ونهضنا إليه لنسأله عن حاله، فقال لنا بعد أن تذكَّر زميلي: إني أتحسَّر وأتأسف ليلي مع نهاري على قلَّة صبري وعدم تحملي بضع سنوات من الصعوبة حتَّى استبدلت الأدنى بالذي هو خير!
إنَّ الحسرة في الحياة الدنيا تنتهي خلال سنة أو سنوات معدودة ونادرًا ما تستغرق العمر كلَّه؛ ولكن حسرة الدار الآخرة قد تكون أبديَّة ولا حيلة للإنسان حينها في التَّخلُّص منها ألبتة”.
المحور الثَّاني: أعمال من شأنها تعظيم هذا اليوم.
التهيؤ بدنيًّا بالغسل
غسل العيد هو من السنن المستحبَّة التي وردت في الشريعة الإسلاميَّة، ويُعدّ رمزًا للطهارة الجسديَّة والمعنويَّة في يوم العيد؛ إذ يعكس رغبة المسلم في بدء يومه بنقاء كامل، استعدادًا للقاء الله (تعالى) في صلاة العيد، وكذلك يُعتبر الغسل تأكيدًا على تجديد التوبة والعهد مع الله (تعالى) بعد موسم العبادة، مثل شهر رمضان أو أعمال الحج؛ قال الإمام الصادق (عليه السلام): “صَلاةُ العيدِ يَومَ الفِطرِ أن يُغتَسَلَ مِن نَهرٍ، فَإِن لَم يَكُن نَهرٌ، أَنتَ بِنَفسِكَ استيفاءَ الماءِ بِتَخَشُّعٍ، وَليَكُن غُسلُكَ تَحتَ الظِّلالِ، أو تَحتَ حائِطٍ وتَستَتِرُ بِجَهدِكَ، فَإِذا هَمَمتَ بِذلِكَ فَقُل: اللَّهُمَّ إيمانًا بِكَ وتَصديقًا بِكِتابِكَ وَاتِّباعَ سُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ (صَلَّى الله عَلَيهِ وآلِهِ)، ثُمَّ سَمِّ واغتَسِل، فَإِذا فَرَغتَ مِنَ الغُسلِ فَقُل: اللَّهُمَّ اجعَلهُ كَفّارَةً لِذُنوبي وطَهِّر ديني، اللَّهُمَّ أذهِب عَنِّي الدَّنَسَ”.
استحباب التَّكبير
التكبير في الأعياد هو تجسيد لمعاني التوحيد وتعظيم لله (سبحانه)، حيث يُذكِّر الإنسان بأن الفرح لا يكتمل إلَّا بذكر الله (سبحانه) وشكره، وقد أوصى النبيُّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) بذلك حين قال: “زَيِّنوا أعيادَكُم بِالتَّكبيرِ”؛ ليكون العيد مرتبطًا بالرَّوحانية لا بالمظاهر الدنيوية فقط، كما أنَّ التكبير يعكس شكر الله (سبحانه) على إتمام العبادات الكبرى، كالصيام في عيد الفطر ومناسك الحج في عيد الأضحى، وفي الوقت نفسه، يخلق جوًا من الإيمان والوحدة بين المسلمين حين تتعالى أصواتهم بتمجيد الله (عزَّ وجلَّ)؛ وبذلك يكون العيد مناسبة للفرح المشروع، حيث يمتزج السرور بذكر الله (تعالى) والتوجه إليه.
أداء صلاة العيد
“وأما صلاة العيدين فاحضر في قلبك أنَّها في يوم قسمة الجوائز وتفرقة الرَّحمة وإفاضة المواهب على من قبل صومه وقربانه، وقام بوظايفهما، فأكثر من الخشوع في صلاتك، والابتهال إلى الله (تعالى) فيها وقبلها وبعدها في قبول أعمالك، والعفو عن تقصيرك، واستشعر الحياء والخجلة من حيرة الردِّ وخذلان الطرد.
فليس ذلك اليوم بعيد من لبس الجديد، وإنَّما هو عيد من أمن الوعيد وسلم من النقاش والتهديد واستحقَّ بصالح أعماله المزيد، فاستقبله بما استقبلت به يوم الجمعة من الوظايف”.
استحباب قراءة الأدعيَّة والسور القرآنيَّة
ويراجع بهذا الشأن كتب الأدعيَّة والزيارات كمفاتيح الجنان، وضياء الصالحين وغيرها.
مبادلة التَّهاني والعودة للمجتمع
يستحب أن تذهب الى مكان إقامة الصَّلاة عن طريق، وتعود الى بيتك من طريق آخر؛ ليكون لك أن تلتقي بأكبر عدد ممكن من الناس في السلام ومبادلتهم التَّهاني، كما يُستحب تبادل الهدايا التي تزيل أي تباعد أو تعكر في العلاقات، وتجلب المحبَّة والمودَّة بين الناس، وقد تكون الهديَّة بسيطة؛ لكنَّها تفتح قلوبًا وعقولًا وأرواحًا كانت مغلقة، وتُعزِّز من الروابط الإنسانيَّة، وتزيد من أواصر الأخوَّة والمودَّة، وهذه الأعمال بنفسها تورث الخير للفرد والمجتمع، فكيف إذا اقترنت بيوم عظيم كيوم العيد؟
ثمَّ إنَّ هذا التواصل وتجدد الاندماج في المجتمع العودة يؤدِّيان الى توثيق العلاقات وبنائها وتقويَّتها؛ ولذلك ينبغي علينا أن نحاول إعادة العلاقات السَّابقة وبالخصوص ذوي الرَّحم؛ بل والتأمُّل العميق والسَّعي الجاد لإزالة كلِّ العقبات التي قد تضعف وحدة المؤمنين وتماسكهم؛ فالعيد ليس مجرَّد مناسبة للفرح، بل هو يوم مبارك تتجلَّى فيه نفحات الرَّحمة الإلهيَّة، حيث يبارك الله (عزَّ وجلَّ) كل جهد يُبذل في سبيل إصلاح الفرد والمجتمع، وتعزيز روح الأخوة، وترسيخ أسس التلاحم بين القلوب؛ فما أجمل أن يكون هذا اليوم محطةً لتجديد العهد بالمحبَّة والتسامح، ونقطة انطلاق نحو مستقبل تسوده المودَّة والتعاون، فكلُّ خطوة تُتخذ في سبيل إزالة الخلافات وتقوية أواصر الإيمان هي خطوةٌ نحو مرضاة الله (تعالى) ونيل بركاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى