هل كان الإمام علي بن أبي طالب (ع) مستبداً؟

القاضي سالم روضان الموسوي
ونحن نعيش أيام الحزن العلوي بذكرى استشهاد أمير المؤمنين الامام علي (ع)، لابد من التفكر في مسيرته طيلة عمره الشريف، منذ أن كان صبياً في كنف الرسول (ص) وحتى استشهاده (ع) على يد الظالم ابن ملجم (لع)، سنجد انه كان في موقع القوة وثبات البأس في كل أحوال الدينا وأهوالها، ولم يتراجع عن رأي تبناه او قول جاهر به.
وحتى في فترة خلافته لرسول الله (ص) وكان رئيس الدولة وأميرها وسلطانها وتحت يده كل مقدراتها، مع ما يملك من قوة “ذوالفقار وبأس المغوار”، الا اننا لم نجد في كل هذه المسيرة ما يدل على انه كان مستبداً قامعاً لرأي من يخالفه، بل كان يسمع منهم قولهم، وان عارضهم فإنه يعارضهم بالحجة والموعظة الحسنة، ولم نجد في هذه المسيرة دليلاً على انه امر بحبس شخص مهما كان لأنه اختلف معه بالرأي، او انه أصدر امر القبض بحق من اعلن عن معارضته له.
بل انه يرى الحِلم مع كل مخالف معتدي وليس مخالف في الرأي فقط، وذلك بقوله (ع) (اكْظِمِ الْغَيْظَ، وتَجَاوَزْ عِنْدَ الْمَقْدَرَةِ، واحْلُمْ عِنْدَ الْغَضَبِ، واصْفَحْ مَعَ الدَّوْلَةِ، تَكُنْ لَكَ الْعَاقِبَةُ)، ويقول ابن ابي الحديد إن عبارة (الصفح مع الدولة) بمعنى ان تكون مالكا للقوة والسلطة فعليك الصفح ويضيف ابن ابي الحديد ايضاً، أن هذه من شيم الرسول (ص) عندما ظفر بمشركي مكة وغفر لهم، ومن شيم الامام علي عندما ظفر بأهل الجمل وعفا عنهم، وهذه الوقائع والحوادث التاريخية تدلنا على ان الامام عليا كان متسامحاً مع خصومه ويحترم الرأي المخالف، طالما لا يدخل في باب الحرابة او الشرك.
وحيث إن هذه الأيام هي أيام الامام علي (ع) ستجد الكثير من أصحاب السلطة والمتمترسين خلف اسوارها والساعين الى توظيفها لحماية مصالحهم ومكاسبهم الغلول، من خلال إيقاع اشد الأذى بمخالفيهم ومن لم يتبع أهواءهم عبر سلطانهم، فهؤلاء ستجدهم يتقدمون صفوف المعزين باستشهاد الامام علي (ع) ولربما ينسجون قول النعي والاستذكار ويدبلجوها بالعبارات الفخمة للتعبير عن حزنهم.
الا انهم عند الامام لا مقام لهم لأنه حارب الظلم وكان اماما للتسامح، فكيف يقبل عزاءً من الظالم الطاغي المستبد القول الزائف، ويرضى بعمل المستبد الباغي الذي لم يترك عملا إلا واتى به من أجل تحصين موقعه والبقاء في كرسي السلطة بغياً واغتصاباً.
فإذا كان هؤلاء يقولون حقاً عن حزنهم فالأجدر بهم ان يتبعوا نهجه بالتسامح وعدم توظيف سلطانهم لمصالحهم وأن يكونوا مثله متسامحين مخاصمين بشرف، وان يتواضعوا بمثل تواضعه عندما وقف أمام القضاء مبجلاً له وهو كان رئيساً واميرا على القاضي ومنصباً له في مكانه، في الحادثة الشهيرة بمطالبته بدرعه من النصراني وهو أحد رعايا دولته، الا أنه ابى الا ان يجسد التسامح واحترام القانون.
لذلك لم يكن علياً (ع) مستبداً، وانه لن يقبل ان يواسيه في مصابه من كان مستبداً وظالماً، لان الامام (ع) لم يكن ممثلاً لنا بشخصه فحسب، بل هو منهج حق مصدره علم النبي (ص) الذي هو علم القرآن الكريم وهو قول الله تعالى، بل انه قد أوصى هؤلاء بقوله (ع) (فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر من حثالة القرظ، وقراضة الجلم. واتعظوا بمن كان قبلكم، قبل أن يتعظ بكم من بعدكم، وارفضوها ذميمة، فإنها قد رفضت من كان أشغف بها منكم)، كما قد خص من يحمي الحقوق ويثبتها ومن يقضي بين الناس فيرشده الى سبيل نجاته في عمله بقوله (ع) (استعمل العدل، واحذر العسف والحيف، فإن العسف يعود بالجلاء والحيف يدعو الى السيف).
لذلك ونحن نستذكر أيام الحزن العلوي فإن عرفنا ان اهل الحق هم الخالدون، واما الباغون والطغاة فان منزلهم في الدنيا مزبلة التأريخ وفي الاخرة قعر جهنم، ومن سعى لقتل الامام فانه وإنْ قتل جسماً الا انه بقي خالداً في العقول والقلوب الى ان تقوم الساعة، ومن كان يظن انه قد أزاله من كرسي الخلافة، وهو في اصله زاهد فيه، فان استشهاده قد أبقاه متربعاً على عرش القلوب حتى يقوم القائم (عج).