المتشابه في القرآن

قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً، ولكن نزل أن يصدق بعضه بعضاً، فما عرفتم فاعملوا به وما تشابه عليكم فآمنوا به».
الشق الأوّل من الحديث إشارة لقوله تعالى: (وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا).
وأمّا الشق الثاني فيتضح من قول الإمام الرضا (عليه السلام): «من رد متشابه القرآن إلى محكمه فقد هُدي إلى صراط مستقيم»، فإذا لم نحكم فور رؤيتنا لآية كريمة، بل لاحظنا سائر الآيات المحكمات ورجعنا إلى الراسخين ـ الذين هم الرسول وآله (عليهم السلام) ـ فسوف نتمكن من فهم معنى المتشابه.
إننا نقرأ كل يوم في سورة الحمد: (ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ * صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ)، والمفهوم واضح هنا، فالصراط هو الطريق المعبّد، والمستقيم هو المعتدل من دون اعوجاج، ولكن هناك بيان للصراط المستقيم في آيات أخرى، يقول اللّه تعالى: (وَأَنِ ٱعۡبُدُونِيۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ) فنستفيد من ذلك أن الصراط المستقيم هو عبادة اللّه سبحانه وتعالى.
والصراط المستقيم جاء في سورة الحمد بالألف واللام، وجاء في هذه الآية بلا تعريف، وهذا يدل على أن عبادة اللّه سبحانه وتعالى جزء من الصراط، وليست كله.
وأمّا أنعمت عليهم فلا بدّ أن نعرفهم حتى نكون على صراطهم، إننا نجدهم في آية أُخرى، حين يقول اللّه تعالى: (وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَۚ)، لقد استفدنا من الآية الثانية مصاديق الذين أنعم اللّه عليهم ومن المعلوم أن رسول اللّه محمّداً (صلى الله عليه وآله) هو أفضل النبيين، وأن الإمام علياً (عليه السلام) والأئمة من ذريته (عليهم السلام) هم أجلى مصاديق الصدّيقين والشهداء والصالحين فقد فرّق اللّه سبحانه وتعالى الموضوع الواحد في آيات متعددة، ولكن بالجمع بينها نتمكن من الاستفادة الكاملة منها.
ولولا التفسير الصحيح فقد يحرّف المحرّفون معاني القرآن إلى غير ما يريده اللّه تعالى؛ لذا قال اللّه تعالى: (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتٞ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ)، وما رسوخ هؤلاء في العلم إلّا بما أنعم اللّه عليهم من العلم. إن اللّه تعالى قدم ذكر نفسه على الراسخين للإشارة إلى أهميّة التأويل، وإنه ليس عمل أي إنسان، بل هو عمل اللّه سبحانه وتعالى، والذي علّمه للراسخين في العلم.
ثم إن التشابه قد لا يكون في المفهوم ولكن في المصداق، فقد يحتاج مصداقها إلى التفكير في سائر آيات القرآن الكريم وإلى مراجعة الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام).
إذن، يجب علينا حينما ننظر في القرآن أن لا ننظر إليه بشكل مجزّأ، وغالباً ما يُنظر إليه في العبادات فقط، أي: في ما يخص الصلاة والصوم والزكاة والحج، أمّا سائر التوجيهات فهي متروكة غالباً، كمثال على ذلك، وردت الأُخوّة الإسلامية في القرآن: (إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ)، وهذا الجانب يتغافل عنه الكثير من المسلمين، وهكذا الأمة الواحدة، قال تعالى: (إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ)، وكذلك الحرية: (وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ)، والشورى: (وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ)، و(وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ).
إذن، حينما ننظر للقرآن يجب أن ننظر إليه بنظرة شمولية، أمّا إذا نظرنا إليه نظرة تبعيضية فقد نكون ـ والعياذ باللّه ـ من الذين لا يزيدهم إلّا خساراً.