اراء

لكي لا يكون التطبيع السعودي مع وهم اقامة الدولة الفلسطينية

بقلم: د. هاني الروسان..
يبدو ان فرصة العودة لتجريب ادوات الحرب الباردة في ادارة الشأن الدولي التي منحها العالم الى جو بايدين طيلة السنوات الاربع الماضية لاعادة رسم حدود الجغرافيا السياسية للعالم قد انتهت مع وصول ترامب الى البيت الابيض ثانية، وانه قد حان وقت ترسيم تلك الحدود كما تمخضت عنها نتائج سنوات الصراع تلك التي كادت ان تدفع لصدام عالمي في اكثر من مرة.
والدلالة الابرز في هذا السياق هي منح السعودية جائزة استضافة اهم قمة بين العملاقين النووين في العالم لاعادة النظر من خلال البوابة الاوكرانية في الترتيبات الامنية ليس فقط الخاصة بامن القارة الاوروبية بل الامن الدولي برمته، بتغييب كل اوروبا والصين، لوضعها -اي السعودية- في مكانة الدولة المؤثرة في السياسات الدولية او الضامنة لحماية وتنفيذ تلك السياسات التي عادة ما تمنح للدول في مثل هذه الحالات واضفاء القوة المعنوية الضرورية عليها والمصداقية العالية لما قد تقدمها من ضمانات لمخرجات قمة دول الخليج الست+ مصر والأردن، المزمع انعقادها ايضا في الرياض وبتغييب السلطة الوطنية الفلسطينية، لوضع آليات ما قيل عنها الخطة العربية للرد على خطة ترامب لتهجير الشعب الفلسطيني من غزة، التي قد تكون الاساس لقمة القاهرة المؤجلة ان عقدت لاحقا او كان من ضرورة لعقدها اصلا الا لاستكمال شروط توسيع نطاق اضفاء الشرعية على الضمانات السعودية لمخرجات قمة الرياض، وتسويقها على انها الرؤية العربية الشاملة للرد على خطة ترامب.
بمعنى اخر فانه سيكون للمملكة العربية السعودية التي ستضمن بطريقة او باخرى تنفيذ ورعاية قرارات العملاقين الامريكي والروسي في حفظ الامن الدولي وفقا لتصورهما هذا، القدرة على رعاية وتنفيذ ما قد تتخمض عنها قمة الرياض المصغرة من قرارات وتوجهات والتي ستكون الوجه الاخر للقمة الروسية الامريكية لتكوّنا معا على ما يبدو يالطا العالم الجديدة ولكن باجتماعين او قمتين منفصلتين، او ربما هذا ما يتصوره ترامب الذي يسعى لترسيخ مبدأ السلام بالقوة، والحقيقة ان هذه الرؤية الامريكية الروسية للدور السعودي ليس منّة من اي من الدولتين بقدر ما هو اعتراف واقعي بالقدرة الهائلة التي تمتلكها العربية السعودية للتأثير بالسياسات الدولية ان رغبت القيادة السعودية في توظيفها في هذا السياق ووضعت لها سبل التنفيذ، وتنبهت لما قد يقف وراء المواقف من نوايا اخرى.
وفي هذا الاطار ومن باب التحسب فان ما يلتفت الانتباه له ويستوجب التوقف امامه بقوة هي بعض التسريبات والتي كثيرا ما تقف وراءها جهات فاعلة ولاغراض متنوعة، غير ان واجب الاحتياط يستلزم الاشارة اليها وطرحها على بساط البحث وعدم الركون لاعتبارها تسريبات مغرضة حيث يُتداول الان ما يطلق عليها بالتسريبات عن نقاط الاتفاق الامريكي الروسي والتي كان من بين اهم نقاطها انهاء ملف
الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وايجاد مخرج لوقف الحرب على غزة بالموافقة الأمريكية والمباركة الروسية للخطة العربية التي ستعلنها السعودية في الرابع من آذار القادم القاضية بتطبيع السعودية لعلاقاتها مع إسرائيل وبقية الدول العربية مقابل خارطة طريق يجري تنفيذها على مدار عشر سنوات لاقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح ضمن خرائط متفق عليها من قبل كل الأطراف وإطلاق عملية إعادة إعمار لقطاع غزة برعاية فلسطينية إقليمية ودولية وإطلاق مشروع المغادرة الطوعية تحت عناوين أغراض العمل والعلاج والإستثمار والدراسة في بعض دول الخليج و بعض دول العالم.
والحقيقة ان اطلاق يد روسيا جزئيا في اوروبا التي يعزلها ترامب مقابل الانفراد الامريكي الكامل في الشرق الاوسط والذي لاحت بوادره بتسليم سوريا الى الولايات المتحدة عبر وكيلها التركي، وعلى ضوء ما تراكم من خبرات سيئة مع خرائط الطريق في المبادرات والاتفاقيات السابقة التي لم تكن اكثر من غطاء زمني لاسرائيل لتنفيذ مخططاتها بالاستيلاء على مزيد من الاراضي الفلسطينية واستيطانها وخلق مصاعب وتعقيدات اكبر امام امكانية اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الاراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فانه لن يكون بالامكان تصور ان خارطة الطريق الجديدة في الخطة العربية المزمع الاعلان عنها في قمة مارس القادمة ستكون اكثر من فرصة زمنية عربية جديدة تمنح لاسرائيل لاستكمال مخططاتها العدوانية في تصفية القضية الفلسطينية، والتفاف على المقدرة السعودية والعربية لفرض سلام عادل يعيد للشعب الفلسطيني كامل حقوقه الوطنية، وافراغها من مضمونها عبر صفقة تطبيع مع الوهم ستكون حاسمة في بنية المنطقة السياسية والامنية ولن يكون بالمقدور التراجع عنها بعد عشر سنوات في حال ان رفضت اسرائيل كعادتها الانصياع لاستحقاقات عملية اتمام اقامة الدولة الفلسطينية.

ثم والاهم ان هذه التسريبات التي تتحدث عن اقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح تتعمد اغفال مكان جغرافية هذه الدولة فيما اذا كانت على اراضي عام 1967 ام لا، خاصة وان الحديث عن دور سوري في استقبال بعض مهجري قطاع غزة يتصاعد كل يوم اكثر من اليوم الذي يسبقه، الى جانب تأكيدات ترامب امام رئيس الوزراء الهندي الذي كان الاسبوع الماضي في زيارة لواشنطن عن اتفاق لانشاء واحد من أعظم طرق التجارة في التاريخ على حد وصفه يمتد من الهند مرورًا بإسرائيل وإيطاليا وصولًا إلى الولايات المتحدة والذي يقال انه سيكون لشمال قطاع غزة اهمية فيه مما يزيد من احتمالات عدم السماح لسكانه بالعودة اليه ويضع احتمالات قيام هذه الدولة خارج نطاق جغرافية حدود عام 1967.
ولكي لا تكون قرارات قمة الرياض وتاليا القمة العربية الموسعة في العاصمة المصرية غطاء للتطبيع مع وهم اقامة الدولة الفلسطينية، فان العودة لمقررات قمة بيروت 2002 والتأكيد على عدم قبول اي شكل من اشكال التطبيع السعودي الاسرائيلي الا باعتراف اسرائيلي مسبق باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الاراضي المحتلة عام 1967 وبوقف كل مخططات التهجير باشكالها المختلفة الطوعي منها والقسري وبتعزيز دور السلطة الفلسطينية وم.ت.ف في كل مراحل التفاوض وبضمانات دولية وعربية واضحة ودقيقة هي احدى الضمانات لعدم الوقوع مجددا في شراك اسرائيل والولايات المتحدة التي تلوح ملامحها في الافق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى