لماذا يلجأ ترامب إلى السعودية للقاء بوتين؟

بقلم: آسيا العتروس..
أول نتاج اللقاء الروسي الامريكي في الرياض اتفاق على تشكيل فريق تفاوض بين الجانبين وإحياء دور سفارتي البلدين في موسكو وواشنطن وقمة على رأس الشهر بين ترامب وبوتين.. طبعا لامجال في مثل هذه المحطات الدبلوماسية المصيرية الحديث عن صدفة في اختيار السعودية أكبر الدول العربية والاسلامية واكثرها تأثيرا في مسار الاستثمارات الكبرى في العالم لاحتضان هذا اللقاء الذي لايمكن ان يكون اعتباطيا او من دون حسابات استراتيجية، بل ان بعض الملاحظين يعتبرون أن اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الامريكي الوافد حديثا على الادارة الامريكية ماركو روبيو ونظيره الروسي سيرغي لافروف الذي مرت عليه عقود في هذا المنصب والذي يفترض أن يمهد الى لقاء الرئيس الامريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين يمكن أن يكون منعرجا لإنهاء الحرب الروسية الاوكرانية التي تدخل عامها الرابع على التوالي والتي سبق لترامب أن أعلن رغبته في وضع حد لها ,ولان الامور بخواتيمها سيتعين انتظار بعض الاجوبة عن ثمار هذه القاءات التي يبقى الزمن وحده كفيلا بكشفها للرأي العام الدولي.. ولعل أول الملاحظات في هذا اللقاء الروسي الامريكي أنه تم اقصاء أحد الطرفين في هذه الحرب وهو الجانب الاوكراني وكذلك اوروبا التي وجدت نفسها معزولة وبعيدة عن الاحداث والحال أنها كانت أحد مصادر التمويل لاوكرانيا في هذه الحرب.. لا خلاف في أن انهاء الحرب الروسية الاوكرانية خطوة مهمة لتحقيق السلام وتجنيب العالم مزيدا من تداعيات وانعكاسات هذه الحرب.. وسيتعين الانتباه الى أن تحقيق ذلك على أرض السعودية سيجعل المملكة أمام اختبار قد يكون غير مسبوق منذ اللقاء الذي جمع قبل ثمانين عاما بين الرئيس الامريكي فرانكلين رزوفلت وعبد العزيز آل سعود على متن السفينة “يو أس أس كوينسي” وسيجعل المملكة أمام استحقاق انساني وقانون تأريخي قبل موعد القمة العربية والبحث عن ازاحة مظلمة طال امدها في حق الشعب الفلسطيني وتفاقمت وباتت تنذر بالأسوأ بعد حرب الابادة التي شنها الاحتلال الاسرائيلي على غزة واهلها طوال خمسة عشر شهرا بتواطؤ دولي وعربي مفضوح لضمان استمرار الدعم العسكري والمالي للاحتلال الذي لم يجاهر بخطته لاقامة اسرائيل الكبرى واحتلال غزة والضفة بعد أن أقدم الرئيس ترامب على كشف خطوته لتهجير أهل غزة في خطوة منافية لكل القوانين و الاعراف الدولية ..
سيكون من غير المنطقي بل ربما من السطحية اعتبار أن البحث عن عنصر الحياد الايجابي وحده وراء اختيار المملكة العربية السعودية لاحتضان قمة تأريخية غير مسبوقة بين الرئيس الامريكي دونالد ترامب العائد الى البيت الابيض وبين نظيره الروسي فلاديمير بوتين.. ولاشك ان الاستعدادات التي سبقت اللقاءات بين الجانبين الروسي والامريكي بعد نحو شهر على تولي ادارة الرئيس ترامب مهامها ما يمكن أن يثير اكثر من نقطة استفهام في ظل تداخل الاحداث وتعقيدات المشهد الراهن في منطقة الشرق الاوسط والتحديات القائمة بعد خمسة عشر شهرا من حرب الابادة في قطاع غزة والتوافق الحاصل بين واشنطن وتل أبيب على طي القضية الفلسطينية بغير ما يتطلع اليه الشعب الفلسطيني وبغير ما تفترضه الاسس المتعارف عليها في القانون الدولي والقانون الدولي الانساني ..
وقد لا يكون من المفاجئ او الغريب في شيء أن يتضاعف المبلغ مع اقتراب زيارة ترامب الى السعودية بعد الاعلان عن احتضان الرياض القمة المرتقبة بينه وبين الرئيس الروسي.. وسيكون من المهم الاشارة الى أنه بقطع النظر عن شروط ترامب ومحاولاته الظهور بمظهر التاجر الرابح دوما في عقد الصفقات فإن ما سيخرج به اللقاء من نتائج قد تقود الى انهاء الحرب الروسية الاوكرانية المستمرة منذ ثلاث سنوات سيحسب الى السعودية كلاعب استراتيجي في منطقة الخليج وفي منطقة الشرق الاوسط لا سيما أن المملكة تحتفظ بعلاقات متينة مع الطرفين الروسي والامريكي الى جانب الطرف الصيني الذي كان له الدور في اذابة الجليد بين الرياض و طهران و عودة العلاقات بين ايران و السعودية واعادة فتح سفارتي البلدين وطي صفحة العداء المفتوح الذي يعتبرايران العدو الاول والوحيد الذي يتعين الحذر منه وعزله .
نتائج اللقاء الامريكي الروسي في المملكة تعكس أيضا تحولات محورية في العلاقات الاستراتيجية والخريطة الدولية والواضح أن ترامب يتعمد عزل الدول الاوروبية وتحييدها في المفاوضات بشأن الحرب الروسية الاوكرانية التي انجرفت اليها الدول الاوروبية وتحملت جزءا كبيرا من النفقات العسكرية والاعباء التي ارتبطت بهذه الحرب بما في ذلك ملف اللاجئين لتجد اليوم نفسها خارج اللعبة التي انفرد بها ترامب.. وليس من الواضح ان كان ترامب سيتجه لاحقا الى مزيد الضغط على الشريك الاوروبي في منظمة الحلف الاطلسي لدفعها الى رفع نفقاتها وتحمل مسؤولية أمنها بمعزل عن المظلة الامريكية التي يريدها ترامب مدفوعة الاجر مسبقا ..