التقدم الميداني للجيش ومستقبل الصراع في السودان
بقلم: ثابت العمور..
الحرب كرّ وفرّ، هكذا بدا المشهد في السودان عندما أعلن الجيش السوداني في الـ 11 من كانون الثاني الجاري؛ عن دخول مدينة ود مدني، واستعادتها بعد أكثر من عام من سيطرة قوات الدعم السريع عليها. ويعدّ هذا التقدّم الميداني للجيش السوداني، أكبر وأبرز نصر له منذ بدء الصراع بين الفرقاء الأشقاء في 15 نيسان 2023.
وتعدّ مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة “وسط” ثاني أكبر مدن السودان من حيث الكثافة السكانية، وذات أهمية استراتيجية كبيرة، وتربط بين خمس ولايات سودانية، وتتمتع بمكانة اقتصادية، وأقرب المدن للعاصمة الخرطوم. والملاحظ أن قوات الجيش السوداني استعادت المدينة وسيطرت على مركزها، من دون خوض أيّ معارك مع قوات الدعم السريع التي تسيطر على المدينة منذ كانون الأول 2023.
وفي الرواية الرسميّة لما حدث؛ أعلن المتحدّث باسم الحكومة السودانية، أنّ الجيش السوداني “حرّر” مدينة ود مدني. وقال المتحدّث باسم الحكومة وزير الثقافة والإعلام خالد الإعيسر في بيان، “تمكّنت القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى والمستنفرون من تحرير مدينة ود مدني”.
وقال قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي: “عَهد القوات المسلحة السودانية لشعبها، أن تستردّ وتطهّر كلّ شبر دنّسته مليشيا آل دقلو ومرتزقتها”.
وفي الحيثيّات الأوليّة لمسار الصراع ومستقبله ومآلاته، توعّد البرهان من موريتانيا التي يزورها، بمواصلة الحرب “حتى تحرير كلّ البلاد”، والقضاء على “الميليشيا وعملائها والمتعاونين معها ميدانياً”، ووجّه اتهامات لقوى استعمارية، قال إنها تقف خلف “الدعم السريع وتدعمه بالمال والسلاح والمرتزقة”.
والسؤال ما الذي حدث حتى تحسّنت الظروف الميدانية للجيش السوداني لاستعادة ود مدني؟ هل اكتسب الجيش السوداني، دعماً داخلياً وخارجياً أفضى لتعزيز مواقعه ومعاركه ضدّ الدعم السريع؟ وهل يفضي التقدّم الذي أحرزه الجيش السوداني لإنهاء الصراع؟ وما هي السيناريوهات المتوقّعة لانتهاء الصراع في السودان؟ وما هي دلالات وتبعات استعادة الجيش السيطرة على مدينة ود مدني؟.
التقدّم الميداني الذي حقّقه الجيش السوداني وأثره وتأثيره على مسار الصراع الحاصل ومستقبله يمكن إيجازه في الآتي:
– تثبيت حضور الجيش السوداني في المشهد وزيادة ثقة الشارع السوداني مقابل تأكّل قوة وحضور وتأييد قوات الدعم السريع، وقد أظهرت مقاطع مصوّرة، على مواقع التواصل الاجتماعي، مواطنين سودانيين يحتفلون بسيطرة الجيش على المدينة.
وهذا لا يقتصر على الشارع فقط بل على القوى السياسية السودانية أيضاً ويتضح ذلك في موقف حركة العدل والمساواة، التي قالت في تعليقها على استعادة الجيش ود مدني، إن “تحرير مدينة ود مدني والانتصارات في مختلف جبهات القتال تمثّل ثمرة لتضحيات جسام وتلاحم تأريخي بين القوات المسلحة السودانية والقوة المشتركة والقوات المساندة وجموع الشعب السوداني”، مبيّنة، أنّ “الانتصارات التي تحقّقت تمثّل خطوة فارقة في مسار تطهير البلاد من ميليشيا الدعم السريع، وتبشّر بقرب نهاية معاناة الشعب السوداني”. وبالتالي تعدّ سيطرة الجيش على ود مدني نقطة تحوّل في الصراع الدائر مع قوات الدعم السريع.
– عسكرياً فإنّ ما حدث يعدّ أكبر إنجاز للجيش السوداني، وبالتالي من التداعيات المتوقّعة حدوث انهيار لقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم بعد قطع خطوط الإمداد عنها، وهو ما يشكّل انقلاباً في معطيات الحرب، وقد يؤدي إلى هزيمة قوات الدعم وقلب الموازين العسكرية. وذلك لأنّ مدينة ود مدني تعتبر رمّانة الميزان العسكري في السودان وتربط بين عدة فرق عسكرية، وتتصل بالحدود الشرقية للسودان وحدود دارفور وتوصل إلى العاصمة الخرطوم، بالتالي من يسيطر على ود مدني يسيطر على قلب السودان. واستعادة الجيش للمدينة تعني في حسابات الربح والخسارة، أنّ قوات الدعم السريع خسرت المدينة.
– سيطرة الجيش على ود مدني يفترض أن توقف التوحّش والانتهاكات التي مارستها قوات الدعم السريع بحقّ سكان المدينة، وإذا أحسن الجيش طمأنة المدينة، فهذا سيرفع رصيده السياسي والاجتماعي وحاضنته الشعبية التي تزيد عن خمسة ملايين نازح ينتظرون العودة إلى المدينة، وستستعيد السودان عافيتها الاقتصادية ووحدتها الجغرافية والسياسية والاجتماعية. وتتجاوز فكرة تقسيم السودان ومنع تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع.
– استعادة الجيش ود مدني تعزّز القراءات التي تقول بأنّ هناك مؤشرات على بدء انهيار قوات الدعم السريع التي بدأت منذ أيلول الماضي، وبالتالي هذا الأمر قد يساعد في حسم الصراع لصالح الجيش وتحسين شروط التفاوض إذا تقرّر الذهاب إلى حوار يتوقّع أن تحرّك المبادرة التركية مياهه الراكدة.
إنّ التقدّم الذي حقّقه الجيش في ود مدني ومستقبل الصراع في السودان، يتوقّف عند السيناريوهات الآتية:-
أوّلاً: أن يُكمل الجيش تقدّمه وسيطرته حتى يصل إلى هزيمة شاملة وكاملة لقوات الدعم السريع ويسيطر على كامل الأراضي السودانية؛ ويوظّف التغيّر الحاصل في المواقف الدولية والإقليمية من قوات الدعم السريع لصالحه ولدعمه.
ثانياً: عدم قدرة الجيش على حسم المعركة النهائية والفاصلة وبالتالي استمرار الصراع كما هو حاصل مع ما يترتّب على ذلك من تداعيات وتبعات.
ثالثاً: أن يخسر الجيش بعض المناطق التي استعاد السيطرة عليها وتذهب قوات الدعم السريع إلى تمرير خطة تقسيم السودان وإعلان حكومة موازية، ما يعني تفكيك السودان وتقسيمه.