اراء

رغم عراقيل الاحتلال وانتهاكاته.. غزة تبدأ رحلتها نحو التعافي والبناء!

بقلم: أحمد عبد الرحمن..

كتبنا خلال الأسابيع الأخيرة عن عدد العراقيل والمعوقات التي يضعها العدو الصهيوني في وجه اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في قطاع غزة في العاشر من تشرين الأول الماضي، وأشرنا إلى عدم رغبته الواضحة والأكيدة في إتمام هذا الاتفاق بصورته المثلى، أو على أقل تقدير، عدم الوفاء بالتزاماته كافة كما جرت العادة في اتفاقات سابقة.

من هذه العراقيل والمعوقات عدم فتح معبر رفح في الاتجاهين كما نص الاتفاق، وهو بذلك يحرم آلاف الغزيين الراغبين في السفر إلى الخارج للعلاج أو الدراسة أو العمل الوصول إلى مبتغاهم، كما يحرم عشرات الآلاف الآخرين من الذين هم خارجه العودة إليه.

من العراقيل أيضاً، عدم السماح بإدخال الكميات والنوعيات المتفق عليها من المساعدات الغذائية والدوائية، والتي لم تتجاوز نسبة ما دخل منها حتى الآن بحسب المكتب الإعلامي الحكومي، وبحسب المؤسسات الدولية والإغاثية العشرين بالمئة مما جرى الاتفاق عليه، هذا إضافة إلى تقييد حركة الاستيراد التي يقوم بها تجار القطاع إلى حدودها الدنيا، مستبعداً مئات الأصناف من المواد الغذائية والتجارية من الدخول لغزة، ولا سيّما تلك المستخدمة في أعمال الترميم والبناء، أو المواد الخاصة ببعض الصناعات مثل صناعة المنظّفات والأدوات البلاستيكية وغيرها.

عراقيل أخرى تتمثّل في منع المواطنين من العودة إلى بيوتهم وأراضيهم الزراعية في المناطق الواقعة قرب الخط الأصفر، وتجاوزه لحدود هذا الخط في أكثر من مكان، ولا سيّما شرق مدينة غزة، حيث وصل تمدّده إلى شارع صلاح الدين متجاوزاً المنطقة الصفراء بأكثر من ثلاثمئة متر باتجاه الغرب، أي باتجاه عمق مدينة غزة، والتي تشهد يومياً عشرات التفجيرات الأرضية والقصف الجوي لتدمير ما تبقّى من مساكن ومنشآت داخل المنطقة الصفراء، أو في المناطق التي تقع بالقرب منها.

هذه الحال تتكرر أيضاً شرق مدينة خان يونس جنوب القطاع، والتي تشهد عمليات تدمير وهدم ونسف لما تبقّى من مساكنها، كما هو الحال في غزة، مع الإشارة إلى أن المنطقة المستهدفة في خان يونس تمثّل أكثر من ستين بالمئة من مساحة المدينة، فضلاً عن أن المساحة المتبقّية غرب الخط الأصفر قد دُمر معظمها أثناء الحرب على غزة، حيث نالت خان يونس حصة كبيرة من الدمار والخراب غير المسبوقين

في مقابل كل ما سبق، وغيره الكثير مما لا يتّسع المجال لذكره في هذه العجالة، تبدو غزة وكأنها قد نجحت أو في طريقها إلى النجاح في إفشال جميع مؤامرات العدو ومخطّطاته، وكسرت وستكسر بكل قوة واقتدار حلقة الحصار والتضييق التي يحاول الاحتلال فرضها عليها، بعد أن تمكّنت خلال عامين كاملين من كسر حلقة النار التي ضربت كل مفاصلها، مسقطة أرضاً، رغم حجم الخسائر والتضحيات، كل مشاريع التهجير الصهيونية، ومتجاوزة بصبرها وثباتها وصمودها حالة العجز التي أصابت الأنظمة والشعوب العربية والإسلامية، وإلى جانبهم كل دول العالم الأخرى شرقها وغربها.

صناعياً، ورغم منع الاحتلال كما أشرنا أعلاه إدخال مروحة واسعة من المواد والإمكانيات اللازمة لعودة الحياة إلى طبيعتها، تمكن الغزّيون من تعويض ذلك من خلال إقامة مئات المصانع البدائية التي تعمل بماكينات محلّية الصنع، وذات إمكانيات محدودة، إلا أنها تستطيع تعويض جزء مما يفتقده القطاع من مواد يمنع الاحتلال دخولها، مثل بعض المواد الغذائية، والمنظفّات، وتلك الخاصة ببعض عمليات الترميم للبيوت المتضررة جزئياً، والتي بات الواحد منها يؤوي بين جنباته عشرات العائلات.

قطاع النقل والمواصلات شهد هو الآخر نقلة نوعية خلال الأسبوعين الأخيرين، متجاوزاً عددا كبيرة من العراقيل، ومنها النقص الكبير في المركبات والشاحنات، والتي يشير بعض الإحصائيات غير الرسمية إلى تدمير الاحتلال خلال حربه الإجرامية على غزة أكثر من نصفها، حيث كان يتعمّد حرقها ودهسها بالجرافات والدبابات إلى جانب عدم سماحه بإدخال الكميات المطلوبة من الوقود، والتي استُعيض عن جزء منها، كما أشرنا في مقال سابق، بالوقود محلي الصنع المستخرَج من قطع البلاستيك البالية، إضافة إلى النقص الواضح في قطع الغيار بأنواعها كافة، خصوصاً الإطارات والعجلات، والتي تعرض من نجا منها من بطش الاحتلال للعطب نتيجة سوء أرضية الشوارع والطرقات.

زراعياً، ما زالت المحاولات جارية لتعويض جزء مما فقده القطاع من سلته الغذائية، والتي ما زال الاحتلال يسيطر على أكثر من تسعين بالمئة من الأراضي الخاصة بها، خصوصاً شرق مدينة خان يونس، وشمال جنوب مدينة رفح، وفي مناطق بيت لاهيا وبيت حانون شمال غرب وشرق القطاع.

قطاعات أخرى بدأت الحياة تعود إليها ولو بشكل خجول بعض الشيء مثل القطاع الصحي، والذي تحمّل عبئاً كبيراً خلال أشهر الحرب، وتعرّض لخسائر جسيمة نتيجة هدم وحرق معظم المشافي والمراكز الطبية، إضافة إلى قتل واعتقال المئات من كوادره والعاملين فيه، إلا أنه بدأ خلال الأسابيع الأخيرة باستعادة جزء كبير من عافيته، خصوصاً مع النقص الكبير في عدد الشهداء والمصابين الذين كانوا يتوافدون على أقسامه نتيجة وقف الحرب والعدوان.

على كل حال، يمكننا ونحن نرصد الأوضاع عن قرب، أن نعتقد أن مسألة تعافي غزة من معظم أزماتها آتية لا محالة، وأن كل محاولات الاحتلال منع هذا التعافي ووضع العقبات والعراقيل في طريقه لن تنجح، ولن تدفع أهل غزة إلى اليأس والقنوط، اللذين يحاول الاحتلال وداعموه دفعها نحوهما بكل الطرق والوسائل، إذ إن هذا الشعب الذي قاوم وضحّى وصمد طوال سبعة وسبعين عاماً ،وقدّم عشرات آلاف الشهداء من خيرة أبنائه، وأضعافهم من الجرحى والمصابين والأسرى، لن توقفه أراجيف المحتلّين، ولن تفتّ في عضده مؤامراتهم ومخطّطاتهم التي خبرها في رحلة جهاده وكفاحه الطويلة.

هذا الشعب كما يعلن صباح مساء، وبالأفعال لا بالأقوال، لن يألوَ جهداً حتى يستعيد حياته التي يحاول الاحتلال حرمانه منها، ولن يتوقف حتى يحقّق كل ما يصبو إليه، وفي المقدمة تحرير أرضه، واستعادة حقوقه، وطرد الدولة المارقة المسمّاة “إسرائيل” من كل المنطقة، وإلى غير رجعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى