اخر الأخبارثقافية

خالي فؤاد التكرلي.. صناعة تأريخ جديد متخيل لشخصيات أدبية ميتة

المراقب العراقي/ المحرر الثقافي…

المجموعة القصصية “خالي فؤاد التكرلي” للقاص خضير فليح الزيدي، تحوي الكثير من التقنيات والمعالجات الفنية الحديثة، من خلال صناعة تأريخ متخيل جديد لشخصيات أدبية ميتة، يقول في مقدمتها: “ذهبَ كاتبُ قصصٍ مثلي-على باب الله- إلى مستشفى الأمراض العقليّة، لكثرة ما يلمّحون له بـ”لوثة عقلية” أصابته من دون أن يعلم، استقبله مدير المستشفى استقبالا يليق بـ”كتّاب القصص المُسليّة”، سأله عن حاجته. ردَّ عليه القاص: “ما هو المعيار الذي تقرّرون به لمن يحتاج دخول الدار للعلاج؟” ردَّ المدير عليه قائلا: “نملأ حوضَ الاستِحمام بالماء، ونقدّم إلى المشتبه بمرضه ملعقةً ودلوا وزجاجةً، ثم نطلب منه تفريغ الحوض من الماء بسرعة فائقة وبجهد قليل، وبناءً على طريقة اختياره، نقرّرُ ما إذا كان يحتاج دخول المستشفى للعلاج أم لا”. ابتسم القاص، وقال: “بالنسبة لي؛ الأمر بسيط جدا، عندما أحرّك عقلي، في النتيجة الحاسمة سأستخدم الدلو، لأنّه أكبر من الزجاجةِ والملعقة”. ابتسم المدير وردّ عليه: “الشخصُ السوي يسحب سدّادة المجاري لتصريف الماء أسفل الحوض لتفريغه، لحسن حظّك هناك سرير في عنبر (الرقم 6) الخاص بكتّاب القصص المسلّية، ستحلَّ بيننا ضيفًا وستشّفى من الجنون”.

في بعض الأحيان، هناك خيارات تُقَدّم في الحياة أكثر مما يبدو للوهلة الأولى، فقط تأمّلْ جيداً وابحثْ عن الحلول البسيطة.

أما الناقد ناهض الخياط فقال في تصريح خص به “المراقب العراقي”: “عند قراءتي مجموعة “خالي فؤاد التكرلي” ولأنني أتسم بصفة خبيثة وهي الأنانية بدأت قراءة المجموعة قبل أن تصل رفوف المكتبة، واحكم الآن كما يقول الفقهاء بضرس قاطع بعد أن قرأت قصته “تأريخ مشوه عن قصتي الأولى” بشيئين: الأول: أن أنانيتي ليست صفة ذميمة والثاني: أني اكتشفت أن العراق يملك تشيخوف الخاص به ولم يصرح عنه من قبل، ربما يخاف عليه من العين والحسد، صدقوني لا أبالغ أبداً، جربوا قراءة القصة وعاتبوني إن كنت مخطئاً، وللعلم أنا مشهور بالبخل في إطراء الأصدقاء، فكيف بمن لم ألتق به يوماً، لعلي مغرور أو أني بدوي غليظ الطباع، ولكن الأكيد في كل الأحوال أني أقول ما أعتقد به.

وأضاف: “كتبت قراءة طويلة جداً عن هذه القصة العجيبة وذهن وخيال صاحبها الفريد، مع أنني لست ناقداً أبداً ولا أفقه حتى أبجديات النقد، أنا متردد مثله في نشر ما أكتب، غير أني لن أنتظر طويلاً مثله لنشرها، فأنا لا أجيد كتم الأسرار، وأنا إن رحت أو جئت لست سوى قارئ، ولكن قارئا متمرسا أعرف كيف ألتقط الجيد من الرديء مع كل شراهتي ونهمي الشديدين”.

فيما قال الناقد يوسف عبود جويعد في تصريح خص به “المراقب العراقي”، ان “المجموعة القصصية “خالي فؤاد التكرلي” للقاص خضير فليح الزيدي، كتبت بلغة سردية فنية عالية الدقة، حيث تحمل تلك اللغة الكثير من المضامين، الظاهرة والمضمرة، فهي تارة تميل الى الأدب الساخر، وأخرى الى لازمة متداولة من اللهجة البغدادية المتداولة، أو مثل معروف، أو جملة متناصة مع قصة أو رواية من أجل التذكير، أو ما يدور في خلد المؤلف من أفكار، أو انفعال، أو حزن، أو فرح، ومن كل هذا وغيره”.

وأضاف: ان “المؤلف استطاع أن يصنع لغة جديدة بتقنيات فيها الكثير من المعالجات الفنية، أضافة لذلك فإن هذه المجموعة تدور في فلك عملية فن صناعة القصة القصيرة، فالكثير من النصوص القصصية تشير في عنوانها ومحتواها الى هذا الاتجاه مثل “وعكة نفسية” و”وتأريخ مشوه عن قصتي الأولى” وحتى قصة “خالي فؤاد التكرلي” فإنها نحت هذا المنحى”.

وعلى الرغم من أن القصة القصيرة “خالي فؤاد التكرلي” هي آخر القصص في هذه المجموعة، ولكنني وجدت أن أتناولها قبل غيرها لأهميتها، ونجاح المؤلف في استحضار الكثير من التقنيات الحديثة في كتابتها، منها بنية العنونة التي تحمل الكثير من التأويلات، وأهم تلك التأويلات، أن المؤلف عمد الى إحياء التراث الادبي لأدبائنا الكبار، فقبل ذلك كانت له رواية تحت عنوان “بنات غائب طعمة فرمان” التي يقدم من خلالها هذا الإرث الكبير لمؤسس الرواية الحديثة في العراق، وكما أشار في أحد نصوصه في تلك الرواية”.

نجد في هذه القصة، تناصاً واضحاً بل نقلاً لبعض من مشاهد القصة القصيرة “التنوير” لفؤاد التكرلي وتوظيفها ضمن متن النص، لتكون المنطلق لعملية صناعة قصته، وجعل قصة فؤاد التكرلي، المبنى الميتا قص، وتدور الأحداث بين هاتين القصتين، حيث تدور أحداث قصة “التنور” لفؤاد التكرلي، بمقتل فرحة أخته، ليظهر لنا بطل هذه القصة أبن أخت فؤاد التكرلي المقتولة، وهناك محكمة أقيمت من أجل النطق بالحكم، بتهمة ابن أخت فؤاد التكرلي بقتل الناشر حسن، بعد ستين عاما من نشر هذه القصة”.

وتابع: “وهكذا نجد التراكيب الفنية المتقنة، وقدرة المؤلف بالتلاعب بمخيلة القارئ، بهذا التداخل بين القصتين، كما أود الاشارة هنا الى أن المؤلف استطاع ان يصنع نصاً قصصياً موازياً وقريباً من أسلوب القاص فؤاد التكرلي، وتتم العملية السردية بالتناوب بين النصين، للوصول الى نهاية القصة التي برأت ساحة ابن الأخت وتوجيه الاتهام الى “علي حديدة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى