تعلم التدبر في القرآن الكريم بسهولة

الاختلاف بين المسلمين هو نتيجة طبيعية لعدم فهم القرآن الكريم بالشكل الصحيح، لأن الله سبحانه وتعالى هو نفسه الذي حدد الكتاب والسنة لحل الاختلاف بين المسلمين وهم اليوم متفقون على حُجتهم، لكن مع ذلك هم مختلفون وكل يوم يشتد الاختلاف بينهم الى درجة أصبح صوت المشايخ الذين يُكفِّرُون المسلمين أعلى من صوت القرآن وجعلوا انفسهم مكان الله ويصنفون البشر هذا كافر وهذا مسلم وذاك مرتد، مع انهم لو يفهمون القرآن يدركون أن التكفير محرم، ولكن القليل من المسلمين من يتدبر ويتعمق في القرآن الكريم ويأخذ الفكر الاسلامي من معدنه الاصلي وليس من مشايخ التكفير!
ومن ضمن عوامل التهيئة النفسية أن يأتي المتدبر في القرآن الكريم بروحية التتلمذ والتعلم وأن يتبع هذا المنهج:
اولا/ طرح الاستفهامات على الآية: يسأل المتدبر؛ لماذا قال الله سبحانه وتعالى هذه الكلمة في هذه الآية ولم يقل كلمة مشابهة او مرادفة لها؟ لماذا أتت العبارة بهذه الطريقة ولم تأتِ بطريقة اخرى؟ لماذا أتت هذه الكلمة في مثل هذا الموضع؟ وماهي العلاقة بين الكلمات والعبارات المختلفة؟ والكثير من الاسئلة التي يطرحها المتدبر على آيات القرآن الكريم ويحاول الاجابة عنها من خلال الاستعانة بالعلوم الموجودة وأهمها اللغة العربية، ولنضرب مثالا على ذلك، هذه الآية التي وردت في القرآن الكريم (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، وهنا أتت كلمة (استحياء) مابين المشي والقول فهل كان المراد هو المشي على استحياء أم المراد أن يكون قولها على استحياء؟ نستشف من وضع كلمة (الاستحياء) في الوسط بأن المعنيين مقصودان في الآية والمراد هو التأكيد بأن الحياء في المشي والقول هما ممدوحان في الشريعة الاسلامية بالنسبة الى الفتيات.
ثانيا/ القرآن يفسر بعضه بعضا: الكلمة التي نحن بصددها ونريد أن نعرف معناها هي واردة في مواقع مختلفة من القرآن الكريم وربما نجد مايتمم معناها في آيات أخَر وعلى سبيل المثال نقرأ في سورة الفاتحة (صراط الذين أنعمت عليهم) وهنا نجري بحثا في القرآن الكريم عن الذين انعم الله عليهم سنجد آية اخرى توضح لنا ببساطة من هم هؤلاء؟ والآية تقول (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا) ، فهذه الآية بينت لنا من هم الذين أنعم الله عليهم! وهنا نصل الى اكتشاف عميق يزيد الفرحة واليقين في قلوبنا بعظمة القرآن الكريم وأنه من عند الله.
ثالثا/ الاستعانة باللغة العربية: يستعين المتدبر في القرآن الكريم بقواميس اللغة العربية لتحديد المعنى الدقيق للكلمة التي جاءت في الآية الكريمة، وذلك أن القرآن الكريم نزل باللغة العربية ومن اجل فهمه يجب أن نطلع على معنى الكلمة التي نريد التدبر فيها من كتب اللغة العربية وقال رب العزة والجلال (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ))، وكلما ازداد الانسان معرفة باللغة العربية تذوق طعم وحلاوة القرآن الكريم وقد يكون الفرق بحرف واحد هو يغير المعنى تماما (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) ، وكان لابد أن يقول كتب الله (علينا) وليس (لنا) لكنه اراد ان يبين أن تلك الاصابات ستكتب لصالحه وأن تلك المصائب ستكون لمصلحته والآية التي تليها تكشف هذا الامر (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ)، يعني في خاتمة الامر سيصيب المسلمون اما النصر او الشهادة وهي إحدى الحسنيين.
رابعا/ الاستعانة بتفسير أهل بيت النبوة: هناك كلمات لايمكن ان يصل الى عمقها الا إمام معصوم ولو دققنا في التفاسير التي لاترجع الى النبي واهل بيته عادة مايشوبها الخطأ ومنها تفسير هذه الآية في قصة النبي يوسف عليه السلام مع زليخا (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا….) فللوهلة الاولى يظن القارئ أن ماقامت به زليخا هو شبيه لما اراد يوسف عليه السلام ان يفعله بمعنى انه هو الآخر عزم على ارتكاب المعصية والقول بذلك هي جريمة بحق نبي معصوم، بينما نحن الشيعة وبسبب اعتمادنا على تفسير الائمة من اهل البيت صلوات الله عليهم عصمنا الله من الوقوع في الخطأ ونجد في تفسير الإمام الرضا عليه السلام لهذه الآية (ولقد همت به وهم بها) فإنها همت بالمعصية وهم يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما داخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة، وهو قوله: (كذلك لنصرف عنه السوء) يعني القتل (والفحشاء)، بينما نجد في تفاسير الآخرين كلام مضحك بأن يوسف عليه السلام حل سراويله وجعل يعالج ثيابه وحاشى له ذلك!
خامسا/ فهم الآية ضمن السياق العام: عندما تتحدث السورة عن موضوع واضح مثل سورة (المنافقون) فمعظم آيات السورة تدور في هذا الاطار وتتجه في سياق واحد مع موضوع السورة (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) المنافقون فيبين الله سبحانه وتعالى اقوال وافعال المنافقين واول صفة يتصفون بها هي الكذب. وهناك آية أخرى نفهم من خلال سياقها معاني الكلمات التي يتعذر علينا فهمها مثل آية (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا) وحتى نعرف معنى كلمة (أبَّا) سنجد ان الآية التي تليها توضح بشكل كامل معنى هذه الكلمة عندما يقول عزوجل (مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) فالفاكهة هي طعام الانسان و(أبَّا) بلا شك هي طعام الانعام.
سادسا/ الاستعانة بالاحاديث الشريفة: لايمكن الاستغناء عن احاديث النبي واهل بيته بخصوص معاني الكثير من الآيات الحساسة والدقيقة ومنها هذه الآية (إٍنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) فمن لايستعين بالنبي وائمة الهدى لمعرفة القرآن الكريم هو سيقول إن المقصودين بهذه الآية هم نساء النبي لان سياق الآيات السابقة كانت تتحدث عن نساء النبي لكن؛ عندنا العشرات من احاديث النبي الاكرم التي توضح من هم أهل البيت.
سابعا/ الاستعانة بأسباب النزول: هناك آيات تتحدث عن شخص معين او حادثة معينة او موضع محدد وكل ذلك بحاجة الى اسباب النزول لبيان وتوضيح الآية ومعانيها وعلى سبيل المثال (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)) سياق الآية يبين انها تتحدث عن شخص معين وعن حادثة وقعت بالفعل وعندما نرجع الى اسباب النزول نجد أن هذه الآية لها قصة معروفة وانها نزلت بسبب حادثة تأريخية وقعت في زمن رسول الله ونقل الجصاص في أحكام القرآن: (.. روي عن مجاهد السدي وأبي جعفر وعتبة بن أبي حكيم: إنها نزلت في علي بن أبي طالب (ع) حين تصدق بخاتمه وهو راكع…) هذا وقد نقل جمع كبير من علماء المسلمين أحاديث في نزولها في علي عليه السلام وهي ظاهرة الدلالة في حقه بالولاية والإمامة.



