اخر الأخباراوراق المراقب

التقية

عبد المنعم حسن السوداني

ما أكثر ما شنّعَ خصومُ الشيعة عليهم في التقية التي غاب معناها عن أذهانهم ورسموا لها معاني من مخيلتهم الخربة فصاروا يتهمون بها الشيعة والتشيع وعندما أوضِّحُ هنا معنى التقية وشرعيتها لأنتصِرَ للشيعة ومعتقداتهم بقدر ما أنصر القرآن ومفاهيمه التي تمسك بها الشيعة فكان صحة ما يعتقدون به فرعا لأصل صحة القرآن الذي غابت بصائره عن العقول النجدية فتاهت حتى أنها تكاد لا تفقه الفرق بين الطهارة والنجاسة.

البعض يردد أقوال الآخرين دون تمحيص ومعرفة غافلين عن خطورة استهزائهم بما لا يعلمون فيستهزئون من حيث لا يشعرون بالحق والقرآن وذلك ستكون عاقبته وخيمة ، وما أكثر ما سمعت «أن الشيعة منافقون لأنهم يعتقدون بالتقية وهي تعني النفاق وإظهار خلاف الباطن» ضاربين بذلك الآيات القرآنية وسيرة الأنبياء عُرض الحائط.

وقبل استعراض أدلة شرعية التقية من القرآن والسنة كما جاء في كتب أهل السنة والجماعة، والتي أرى أن الشيعة أعلم بها من أهلها ، نتحدث عن معنى التقية وظروفها.

إن الشيعة ومنذ وفاة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم عاشوا في اضطهاد وتشريد وتقتيل من قبل السلطات الجائرة التي تعاقبت ، وبعد واقعة كربلاء أصبح الشيعة وحدهم المناوئين للحكام والمتصدين لهموم الأمة باعتبار أن أئمتهم هم الحافظون للشريعة ، لذلك كرست الحكومات كل جهودها لضربهم.

لهذا السبب ولغيره عُرف الشيعة بالتقية دون غيرهم من الفِرق الإسلامية التي كان علماؤها ومن ورائهم العامة يؤيدون كل سلطان عادل أو جائر ، بينما يصور لنا الإمام الباقر (ع) حال الشيعة آنذاك يقول : «وكان من أعظم ذلك وأكبره زمن معاوية بعد موت الحسن (ع) فقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة وكل من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين (ع) ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة وأخذهم بكل ظنة وتهمة حتى أن الرجل ليقال له زنديق وكافر أحب إليه من أن يقال شيعة علي.

هذا هو الحال باختصار وعند تعرضنا للأدلة سيتبين بإذن الله تعالى أن التقية حاجة فطرية وكلنا نستخدمها في حياتنا العملية خصوصا أولئك الذين يواجهون الطواغيت في كل مكان ، يعلمون بأهميتها في مسيرتهم الجهادية.

والتقية في اللغة معناها الحذر ، قال ابن منظور في لسان العرب توقَّيتُ واتّقيتُ ، أتقيه تقى وتقية وتقاء : يعني حذرته.

أما التقية شرعا كما عرفها الشيخ الأنصاري من ـ كبار علماء الشيعة المتقدمين ـ في كتابه المكاسب (التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق).

وشرعية التقية تؤخذ من الكتاب والسنة كمصدرين للتشريع وستجد أن العقل يؤيد مشروعيتها.

أما من الكتاب العزيز

قوله تعالى  ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾.

وواضح من قوله تعالى ﴿شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ شرعية التقية وأن المؤمن إذا خاف من الكفار يجوز له مداراتهم تقية منه ودفاعا عن نفسه من غير أن يعتقد ذلك.

أما من السنة

فقد أورد الرازي نقلا عن البخاري في صحيحه من كتاب الأدب باب المداراة مع الناس عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم : « إنا لنكشر في وجوه قوم وقلوبنا تلعنهم » ، كما نقل ـ الرازي ـ أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال : لأحدهما : أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال : نعم نعم نعم ، فقال : أفتشهد أني رسول الله؟ قال: نعم وكان مسيلمة يزعم أنه رسول بني حنيفة ومحمد رسول قريش فتركه ودعا الآخر فقال : أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال : نعم ، قال : أفتشهد أني رسول الله؟ قال: إني أصم ثلاثا فقدمه وقتله فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال : أما هذا المقتول فمضى على يقينه وصدقه فهنيئا له وأما الآخر فقبل رخصة الله فلا تبعة عليه.

كل ذلك يدُلُ على مشروعية التقية وأنها حكم عام يشمل كل إنسان ، وبضم حديث رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه» يكتمل المطلب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى