اخر الأخباراوراق المراقب

الانقلاب في حياة النبي وبعد وفاته (ص)

الشيخ سعيد السلاطنة

﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾.

حديثي عن هذه الآية سيدور في نقطتين:

النقطة الأولى: سبب نزول الآية والدروس المستوحاة من سبب النزول.

النقطة الثانية: حقيقة الانقلاب.

النقطة الأولى: (سبب النزول)

أورد المفسرون لنزول هذه الآية سبباً مفاده، أن الآية نزلت على أثر إشاعة أثيرت في واقعة أحد.

وملابسات ما حصل أن النبي (ص) قد وضع استراتيجية عسكرية محكمة، بحيث أنه (ص) جعل الرماة على أقاصي جبل أحد، وجعل البعض من المسلمين يقاتلون تحت الجبل، وأكد (ص) على الرماة، أن لا يتركوا مواقعهم مهما كانت الظروف.

وبالفعل هذه الاستراتيجية أعطت كل الأثر في انتصار المسلمين، إلا أن الرماة حينما رأوا النصر، وأن المسلمين تحت الجبل أخذوا يجمعون الغنائم، ترك هؤلاء الرماة مواقعهم ونزلوا خشية أن تفوتهم بعض الغنائم، مما جعل المشركين يجمعون فلول جيوشهم وينتهزون فرصة انشغال المسلمين بجمع الغنائم، فيهجموا هجمة شرسة على المسلمين، وبالفعل حصلت تلك الهجمة الشرسة بقيادة البطل المغوار خالد بن الوليد، مما أسفر بقتل جماعة كبيرة من المسلمين بل ووصلوا إلى رسول الله (ص) هجموا عليه، فشجوا وجهه وكسروا رباعيته (ص)، وإذا بالصرخة بين الصفين (لقد قتل محمد) وهنا حصل الانقلاب، فانقسم المسلمون فيه الى ثلاث طوائف:

طائفة أخذت تنادي ليتنا نجد لنا من يأخذ لنا الأمان من أبي سفيان.

وطائفة قالت لو كان محمد نبي لما مات ارجعوا الى دينكم القديم.

وطائفة أخذت تنادي أيها الناس، ان مات محمد فرب محمد حي باقٍ.

فحدثت البلبلة وحصل الهرج والمرج وانطلقت الإشاعة، وهنا تدخل القرآن وحسم الموقف بنزول هذه الآية ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾.

الدروس المستوحاة من سبب النزول

يمكن لنا، ان نستوحي من سبب النزول ثلاثة دروس مهمة:

الدرس الأول: الرسالة لا تموت بموت الرسول.

الدرس الثاني: مخالفة الرسول هزيمة في الدنيا وعذاب في الآخرة.

الدرس الثالث: لا يكن مطلبي الدنيا وأنا في طريق الدعوة إلى الله.

الدرس الأول: القرآن يعلمني درساً مفاده، أن الرسول إذا قتل لا تقتل رسالته، وإذا حُوصر الرسول لا تحاصر رسالته، وإذا نفي لا تنفى رسالته بل تبقى متجسدة في نفوس المؤمنين برسالته.

الدرس الثاني: ما خالف قوم رسولهم إلا استحوذ عليهم الشيطان وجعلهم في ظلمات لا يبصرون فيها الحق من الباطل، ومن ثم يسلط عليهم شرارهم، وها أنت يا عزيزي رأيت الرماية حينما خالفوا الرسول (ص) ونزلوا يجمعون الغنائم، هجم عليهم المشركون وأوقعوا فيهم القتل والسلب، ولو أطاعوا رسول الله ما نزل بساحتهم ما نزل.

النقطة الثانية:

الانقلاب لغة: هو الانتكاس، والانتكاس هو السقوط على الرأس، وقلما يسلم الانسان إذا سقط على رأسه، وحقيقة الانقلاب الذي حصل في يوم أحد كانت له ثلاث مظاهر.

المظهر الأول: (الانقلاب النفسي) ينقل الطبري بأن انس بن النظر، مرَّ على عمر بن الخطاب وطلحة بن عبد الله وجماعة من المهاجرين جالسين على الأرض، وقد ألقوا بسلاحهم في حالة انكسار، فقال لهم ما بكم ؟.

فقالوا: أما علمت بأن محمداً قد قتل؟

فقال لهم أنس: ان “قتل محمد فان رب محمد لم يقتل قوموا ودافعوا عن دينكم”.

ففي هذا الموقف، ترى الانكسار والوجوم وتحطم المعنويات قد خيّم على هؤلاء وسببه، إما الجهل أو انخفاض مستوى الإيمان أو انعدامه.

المظهر الثاني: الانقلاب العسكري، وقد حصل ذلك حينما خالف القوم أوامر الرسول (ص) فنزلوا لجمع الغنائم، لأن المخالفة في المصطلح العسكري تمرد على أوامر القيادة.

المظهر الثالث: الانقلاب الفكري، وهذا الانقلاب قد ظهر بأعتى صوره في حياة الرسول واستمر إلى يومنا هذا متمثلاً في الأحاديث المكذوبة التي تنسب إلى الرسول (ص) والرسول منها بريء براءة الذئب من دم يوسف.

ومن ذلك الأحاديث المكذوبة المسطرة في المجاميع الإسلامية للأسف الشديد، ومن أهم هذه المجاميع البخاري ومسند أحمد وغيرهما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى