اخر الأخباراوراق المراقب

في ذكرى استشهاده.. الإمام العسكري يُعيد الأمة إلى الإسلام

محمد علي جواد تقي..

ما أحوجنا اليوم الى عَلمٍ هادٍ يُحيي في نفوس أفراد الأمة قيم الأخلاق والدين المُحمديَّينِ! الإمام أبو محمد، الحسن بن علي العسكري، عليهما السلام، الذي نعيش هذه الأيام ذكرى استشهاده، خاض الجهاد بالكلمة لإعادة روح الإسلام الى الأمة رغم كل الجهود المبذولة من قبل الدولة العباسية، ومن قبلها الدولة الأموية للإبقاء على “القالب الرسمي” لفهم الدين مقابل القالب الرسالي –السماوي الأوسع في أبعاده الإنسانية والحضارية، فكانوا يريدون مظاهر الدين –الصلاة والصيام والحج- الى جانب الغناء والإباحية، وقتل روح المسؤولية، وعبادة الذات، والإثراء والتسلّط بكل الوسائل.

الإمام العسكري ولد سنة 232 للهجرة في مدينة جدّه المصطفى، كما هو حال جميع الأئمة المعصومين، ما عدا أمير المؤمنين المولود في الكعبة المشرفة، والإمام الحجة المنتظر المولود في سامراء، بمعنى أن أكثر من قرنين من الزمن مضت على هجرة الرسول الأكرم، وتأسيسه النظام الإسلامي المتكامل، بيد أن واقع الامة كان بعيداً –وما يزال- عن روح هذا النظام النموذجي والاستثنائي، مما استدعى إجراءات وقائية سريعة وشجاعة منه، عليه السلام.

التقويم

وهي عملية ملازمة لكل مسيرة حضارية، لاسيما الحضارات القائمة على الدين بقيادة الرسل والانبياء، فإن الظروف الاجتماعية والسياسية لها تأثيراتها السلبية على هذه المسيرة نظراً لتغير الثقافات والامزجة ومستويات الوعي والفهم مع مرور الزمن بما يشكل بمجموعه؛ الإيمان، يكفي الإشارة الى صعوبة المقارنة بين الذين كانوا يؤمنون بالقيم والاحكام التي جاء بها نبي الله عيسى، عليه السلام، وهو على قيد الحياة، والذين يدّعون اليوم الإيمان بالديانة المسيحية بعد تعرضها للانحراف بسبب التثليث، فأحياناً تتكلل هذه العملية التقويمية بالنجاح كما حظيت بها الأمة الإسلامية بفضل جهود وتضحيات الأئمة المعصومين، عليهم السلام، فيما تتعرض للفشل في محاولات أخرى.

وأول خطوة في هذه العملية؛ التصدّي للشبهات العقدية، والاكاذيب والمفتريات على الأئمة المعصومين، وأيضاً على رسول الله، صلى الله عليه وآله، “ذلك أن طغاة بني العباس ضيقوا على معادن العلم وأهل بيت الوحي، ومنعوا الناس من الاستفادة من علوم آل محمد، صلوات الله عليهم، بالمقابل قام بعض المشعوذين من غير المسلمين بتضليل المسلمين وإفساد عقيدتهم”.

ويبدو أن هذه كانت مرحلة متقدمة في المواجهة بين الأنظمة الحاكمة والمسيرة الرسالية المتمثلة بأئمة أهل البيت، عليهم السلام، ففي البداية كان وَضَّاعُوا الروايات من وعاظ السلاطين، وأشباه العلماء والمحدثين، كانوا يتقاضون أجورهم من الحكام والأمراء لقاء الكذب على رسول الله بروايات تشرّع أفعالهم وجرائمهم، بينما في عهد الامام الحسن العسكري، حيث توسعت القاعدة الشيعية في الامة، فإن الحكام تمكنوا من اختراق المجتمع الشيعي و تغرير ضعاف النفوس والايمان لارتكاب هذه الجريمة، مما ضاعف الجهد على الإمام العسكري، عليه السلام، ليواجه عدواً على الجبهة الخارجية وعدواً على الجبهة الداخلية ايضاً.

يحمي دين جدّه وهو معتقل

لنتصور الامام العسكري وهو معتقل في سامراء بأمر من المعتمد العباسي، ثم يأتي نفس هذا الحاكم ليطلب من الامام المساعدة لمواجهة خطر خارجي يهدد الإسلام بشكل عام، عندما حدثت الضجة والتشكيك عند الناس بوجود شخص نصراني يرفع يده الى السماء فتهطل مطراً على الفور، وكانت سامراء وأمصار أخرى تشكو الجفاف وشحة المطر، وكان المسلمون يذهبون الى صلاة الاستسقاء دون جدوى، فأخبروا الحاكم العباسي بالأمر، فعجز عن الحل، فلم يجد بُداً من اللجوء الى الإمام العسكري.

الاستفزازات والضغوط والتهميش لن يكون مبرراً للانطواء والانعزال في مدرسة أهل البيت، عليهم السلام، بل العكس؛ يكون مدعاة لمزيد من العمل في المجالات كافة لنشر العلوم والمعارف بين أفراد الامة، فالإمام العسكري لم يُترك ليمارس حياته الطبيعية، بل إن وجوده بالأساس في سامراء لغرض المراقبة المستمرة، فكان بين الاعتقال في الزنزانات المظلمة، وبين الإفراج عنه مع الإقامة الجبرية والمراقبة من عيون وجواسيس للتعرّف إلى اتباع الإمام في الامصار الإسلامية، ومن يُرسل الحقوق الشرعية (الأموال)، ومن يتلقى منه التوجيهات والاوامر.

ولو من الصعب الختام بالحديث عن سيرة الامام الحسن العسكري، عليه السلام، بيد أن “ما لا يُدرك كله لا يترك جلّه”، على قدر المستطاع نقتبس من ضياء أهل البيت ما يفيدنا في حياتنا اليومية في ظل عالم التطور والتقدم العلمي، فالإمام العسكري وضع النقاط على الحروف لأبناء الأمة في زمانه ولأهل زماننا ايضاً، مؤكداً وجوب الالتزام بمنهج أهل البيت، عليهم السلام، ومما روي عنه في هذا السياق: “قد صعدنا ذُرى الحقائق بأقدام النبوة والولاية، و نوّرنا السبع الطرائق بأعلام الفتوة، فنحن ليوث الوغى، وغيوث الندى، وفينا السيف والقلم في العاجل، لواء الحمد والعلم في الآجل، وأسباطنا خلفاء الدين، وحلفاء اليقين، ومصابيح الأمم، ومفاتيح الكرم”.

وبذلك يحدد الإمام العسكري الخط والمنهج الصحيح والمتكامل لمن يريد النجاة والنجاح في حياته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى