ترانيم وهواجس من نوبتي القلبية..

بقلم : منهل عبد الأمير المرشدي ..
بما لا أتحسب أو أتوقع وجدتُني دون سابق إنذار او موعد مختنقا بضيق النفس محاطا بالضباب في كل شيء أراه لا أقوى على الوقوف مغميا عليَّ لأفتح عيني بعد أيام في غرفة الرقابة والإنعاش بمستشفى لوفيين الجامعي .. تم إلزامي بعدم التحدث إلا عند الضرورة وعدم استخدام جهاز الاتصال والابتعاد عن اي جهد نفسي او فكري وبالتالي عدم الكتابة فلا مقال ولا تعليق ولينزف الجرح ما يشاء فلا إصبع فوق الجرح حتى يشاء الله أمرا كان مقضيا .. لم أكتب مضطرا وأنا مُلقًى على السرير تحت اجهزة المراقبة في المشفى ولم اتواصل أو أردّ على اتصالات تردني من أحبة أنقياء او نخبة من الأصدقاء الأوفياء فلا طاقة لي ولا قدرة ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.. أزمة مرت تجاوزتها بفضل الله على امل إجراء تداخل جراحي في القلب لاحقا . ما لفت انتباهي هو غياب الكثير من أولئك الأصدقاء والأصحاب والأحبة والأحباب ومن كنت قريبا منهم منشغلا بهم ومتابعة امورهم وبالتواصل معهم فلا سؤال الا ما ندر ولا اتصال الا اليسير اليسير حتى ما نحسبهم في واحة الزملاء فلا خبر جاء ولا طيف يمر !!! خمس صحف محلية وأخريات في دول عربية تنشر مقالاتي ومواقع ومئات من أصدقائي على صفحات التواصل لم أجد فيهم من سأل عن غيابي أو توقف نشر مقالي إلا ثلة من الأولين وقليل من الآخرين . تأملت حالي وانا مُلقى على السرير في المشفى وتساءلت هل كنت غريبا فيهم أم كانوا غرباء عني … هل كانت مقالاتي بعيدة عن جروح وطني ام أن إصبعي لم يكن على الجرح . هل كان من يثني عليها مجاملا لي دون أن يفهمها .. هل كنت أنا لا افهم ما اكتب من مفردات أراها تلامس جروح الوطن فتغيض من يقرأها او لا تتوافق مع مزاجات عبيد أصنام السياسة ام انهم هم لا يفهمون الذي نكتبه ؟ اصدقائي واحبتي وحتى جل الأقارب لم أجد منهم من شغل باله صمتي وغيابي . لست ادري لو شاء الله وكانت نوبتي القلبية هي نهاية حياتي في هذه الدنيا الدنية فهل سأكلف من يعلم برحيلي أكثر من سطر من التعازي في وسائل التواصل ليطوي بعدها النسيان كل ما يعنيه المرشدي وإصبعه وجرح الوطن النازف على الدوام كما طوى اسماء الكثير من الكتاب والأدباء والشعراء وغيرهم من الباحثين والمؤلفين ليبقى ما تبقى من أعمال بما فيها من قول وفعل في السجل المنشور أمام الله وهو أرحم الراحمين . هي ٱخر درس تعلمته في هذه الحياة تعلمت فيه بحكم اليقين أن صحة البدن وتمام العافية هي افضل نعمة من الله عز وجل تفتح لك ٱفاق الأمنيات والنجاح والسعادة وتغنيك عن حاجة الٱخرين . هو درس لنا ولكل الزملاء أن لا يذهبوا بعيدا ولا يحكوا كثيرا ولينظروا لما بعد ما يبصروا .. ما تعلمته من درس بليغ في نوبتي القلبية يذكرني بحكاية السلطان الذي سأل الحكيم ذات يوم لماذا أنا لست سعيدا وأشعر بالتعاسة رغم أني أملك كل شيء في الدولة، فيما أرى الخادم سعيدا وهو لا يملك شيئا فقال له الحكيم طبق معه قاعدة التسعة والتسعين لتعرف السبب .. خذ كيسا من دنانير الذهب وضع به تسعا وتسعين دينارا واكتب عليه ( 100 دينار ) وقدمه هدية للخادم وراقبه لتعرف السبب … فعل السلطان ما قال له الحكيم وأخذ كيس الدنانير مكتوب عليه 100 دينار ووضع في داخله تسعا وتسعين دينارا وطرق الباب على بيت الخادم ليلا وشكره على خدمته له وقدم كيس الدنانير هدية له .. ما هي إلا لحظات حتى خرج الخادم هو وعائلته يبحثون طوال الليل في الشوارع والأزقة التي تؤدي إلى بوابة قصر السلطان عسى أن يكون الدينار المفقود قد وقع فيها ! عرف السلطان كما عرفنا نحن أننا نتجاهل تسعا وتسعين نعمة نعيش بها ونقضي حياتنا بالتفكير في نعمة مفقودة .. هي ترانيم وهواجس من تداعيات نوبتي القلبية …



