اخر الأخبارثقافية

“شاهد المعنى” ملحمة درامية كبرى

الروائية/سناء النقاش..

تُعدُّ مسرحية شاهد المعنى ملحمةً دراميةً كبرى تتناول أحد أهم الأحداث في التاريخ الإسلامي، وهو يوم الطف العظيم، من خلال زاوية فريدة تسلط الضوء على العزلة التي عاشها الإمام علي بن الحسين زين العابدين بعد الكارثة، برفقة ابنه الصغير محمد الباقر وزوجته.تميزت المسرحية بأسلوبها العميق في استكشاف تداعيات المأساة من منظور داخلي، حيث لم تلجأ إلى إعادة سرد الحدث بشكل مباشر، بل ركزت على انعكاساته النفسية والروحية على الشخصيات المتبقية بعد المجزرة. هذا النهج أضفى على العمل بُعدًا فلسفيًا وتأمليًا، وجعل المتلقي شريكًا في إعادة استكشاف الحدث من خلال معاناة الناجين، بدلًا من التركيز فقط على تفاصيل المعركة.اعتمد الكاتب على بناء درامي تصاعدي ينسج التوتر الداخلي في نفس الإمام زين العابدين، الذي يجد نفسه محاصرًا بين الحزن العميق، والمسؤولية تجاه ابنه ومستقبل الرسالة التي يحملها. الصراع الداخلي بين الألم والصمود، بين الماضي الثقيل والمستقبل المجهول، شكّل عصب العمل المسرحي، مما أضفى عليه طابعًا إنسانيًا عميقًا.جاءت الشخصيات في المسرحية مرسومةً بعناية، حيث كان الإمام زين العابدين هو المركز المحوري الذي تدور حوله الأحداث. تجلت شخصيته كشاهدٍ على الفاجعة، وكحاملٍ لمعاناة تاريخية جسّدتها الحوارات العميقة والتأملات الوجدانية. كما لعبت شخصية محمد الباقر دورًا مهمًا في استحضار الأمل في المستقبل، بينما مثلت زوجة الإمام صوت الألم الأنثوي الذي يحمل في طياته أبعادًا إنسانية عميقة.جاءت لغة المسرحية قويةً ومشحونةً بالعاطفة، حيث مزجت بين السرد التاريخي والتأملات الفلسفية والوجدانية. لعب الحوار دورًا محوريًا في الكشف عن الحالة النفسية للشخصيات، وجاءت العبارات محملةً بالمجازات والاستعارات التي أضفت على النص طابعًا شعريًا يعكس عمق المأساة وعظمة القضية المطروحة.، اعتمدت المسرحية على توظيف الرمزية في السينوغرافيا، حيث جاءت معبرةً عن العزلة والمعاناة، بينما ساعدت المشاهد البصرية على خلق أجواء تتناغم مع عمق الحدث التاريخي. لم يكن هناك استعراض بصري مبالغ فيه، بل اعتمد العمل على الأداء التمثيلي والحوارات المكثفة لإيصال الفكرة الجوهرية.قدمت المسرحية قراءةً إنسانيةً وسياسيةً لتداعيات كربلاء، حيث لم تكتفِ بنقل الحدث كواقعة تاريخية، بل جعلته نافذةً للتأمل في مفاهيم الألم والصبر والمقاومة. كان العنوان شاهد المعنى تجسيدًا دقيقًا لروح العمل، حيث إن الشاهد هنا ليس فقط الإمام زين العابدين، بل أيضًا كل من يعي أبعاد تلك الفاجعة ونتائجها على امتداد الزمن.يمكن القول إن شاهد المعنى ليست مجرد مسرحية تاريخية، بل هي تجربة وجدانية غنية تحمل أبعادًا فكرية وفلسفية عميقة. استطاع النص المسرحي والتجسيد الدرامي أن يعيد إحياء واقعة الطف بطريقة تتجاوز السرد التقليدي، لتصل إلى مستويات أعمق من الإدراك والتأمل. إنها ملحمة مسرحية تستحق التقدير، كونها تضع المشاهد أمام مواجهة مباشرة مع التاريخ، لكنها في الوقت ذاته تجعله يعيد النظر في معاني الإنسانية والعدالة والمظلومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى