الكيان الصهيوني يعيش صراعاً داخلياً وفوضى غير مسبوقة

طوفان الأقصى تسبب بإنهاكه
المراقب العراقي/ متابعة ..
يمرُّ الكيان الصهيوني في ظل التطورات التي حصلت على مستوى المنطقة خلال العامين الماضيين، بأزمات سياسية واقتصادية غير مسبوقة تنذر بمحو هذا الكيان الغاصب من الوجود، خاصة في ظل الدعم المؤقت الذي تتلقاه السلطات الصهيونية من ترامب والذي قد يذهب بمجرد مجيء ادارة جديدة لا تؤمن بالمشروع الإجرامي للكيان الذي يقوم على القتل والإبادة.
ويؤكد مدير مركز الزيتونة للدارسات والاستشارات محسن صالح، أن هذا الفقدان نابع من خلل بنيوي داخل الكيان، ومن عقلية حاكمة تتصرف خارج منطق الاستقرار طويل المدى.
ويربط صالح بداية الانهيار بتشكيل حكومة الليكود مع التيارات الدينية المتطرفة في نهاية 2022، موضحا، أن هذا التحالف نقل المشروع الصهيوني من إدارة الاختلاف إلى تعميق الانقسام.
فقدان القدرة على احتواء التباينات
طوال عقود، تمكن الكيان من احتواء التباينات العرقية والدينية عبر منظومات تشريعية وسياسية حديثة، لكن السنوات الأخيرة كشفت حدود هذا النموذج، يقول صالح، إن “إسرائيل دخلت مرحلة تفقد فيها القدرة على إنتاج قرار متزن، لأنها أسيرة أيديولوجيا إلغائية وعدائية تُجاه الآخر، تعجز عن إدراك ذاتها وإمكاناتها”.
تجلّت الأزمة بوضوح في الاحتجاجات الواسعة عام 2023 ضد التعديلات القضائية، إذ كشفت هذه الاحتجاجات هشاشة العقد الاجتماعي بين التيارات العلمانية والدينية، ووضعت مؤسسات الحكم أمام اختبار غير مسبوق، وتزامن ذلك مع سلسلة استقالات وإقالات طالت وزير الجيش ورئيس الأركان ورئيس الشاباك ومستشاري الأمن القومي، ما عكس صراعا حادا بين الحكومة والأجهزة الأمنية.
وأشار صالح إلى أن “القيادة الإسرائيلية أصبحت غارقة في تنازع داخلي يعطّل قدرة الدولة على الحركة، ويخلق بيئة خصبة للانفجار”.
على المستوى الإستراتيجي، يميّز صالح بين اختلال التوازن التقليدي وفقدان الاتزان، اختلال التوازن يرتبط بميزان القوى ويمكن تعويضه عبر التحالفات والتسليح، أما فقدان الاتزان فهو خلل ذاتي في بنية الحكم والعقل السياسي.
ويقول الباحث الفلسطيني: إن “صانع القرار الإسرائيلي يعيش حالة تضخيم أو تقليل مستمر لقدراته وقدرات خصومه، ويميل إلى قراءة الواقع بمنظار أيديولوجي وديني، ما يقوده لخيارات مدمرة”.
ويتباهى نتنياهو بسبع أو ثماني جبهات مواجهة، لكن هذا التمدد يضع الجيش في حالة إنهاك طويلة ويستنزف الموارد، فالتجربة التأريخية تشير إلى أن الاستنزاف الناتج عن تمدد الجبهات كان سببا مباشرا في سقوط دول وإمبراطوريات. وترافق ذلك مع تراجع كبير في الشرعية الداخلية، حيث أظهرت معظم استطلاعات الرأي خلال عامين، تقدم المعارضة وتراجع ثقة الجمهور بالجيش والحكومة.
من جهة أخرى، لعبت المقاومة الفلسطينية – وفق صالح- دورا محوريا في كشف هشاشة النظام الإسرائيلي، خلال معارك طوفان الأقصى، تمكنت المقاومة من ضرب منظومة الردع التقليدية وإجبار القيادة الإسرائيلية على العمل تحت الضغط المستمر.
ويؤكد الباحث محسن صالح، أن “الانتقال من التخطيط الإستراتيجي إلى إدارة الأزمات، دليل على انهيار القدرة الإسرائيلية على الحسم”، مشيرا إلى أن “استمرار صمود المقاومة لعامين، وفشل الجيش في تحقيق أهدافه، خلق عقدة فقدان الاتزان داخل القيادة”.
خطة ترامب لليوم التالي في غزة وقرار مجلس الأمن 2803 منحا الاحتلال غطاءً دولياً يقلص الضغوط، لكن صالح يؤكد أن هذه الخطوات “لم تعالج جوهر الأزمة، بل وفرت فقط فرصة لالتقاط الأنفاس”.
في المقابل، تراجعت السردية الإسرائيلية عالميا، وتوسع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ووصلت إسرائيل إلى عزلة سياسية غير مسبوقة.
ويخلص صالح إلى أن ما يظهر اليوم من نشوة إسرائيلية “استراحة هشة” ستنكشف قريبا، لأن البنية الداخلية للكيان عاجزة عن إنتاج توازن طويل المدى.
ويؤكد صالح، أننا أمام مشروع يعيش فقدانا متزايدا للشرعية، ويعجز عن فهم البيئة الإقليمية، ويتعامل مع الشعب الفلسطيني بعقلية القوة وحدها. والسؤال المطروح: هل يمكن للكيان أن يستعيد اتزانه، بينما تعيد المقاومة صياغة قواعد الصراع، وتعيد المنطقة صياغة توازناتها؟.



