متى نبدأ التغيير ونحذر خطر التسويف؟

ابدأ من هذه اللحظة ذلك لأن أحد أخطر المخاطر على الإنسان هو خطر التسويف فإنّه واحد من أمضى أسلحة إبليس، فقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام) فيما كتبه إلى بعض أصحابه: (فَتَدَارَكْ مَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِكَ، وَلَا تَقُلْ غَداً أَوْ بَعْدَ غَدٍ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ بِإِقَامَتِهِمْ عَلَى الْأَمَانِيِّ وَالتَّسْوِيفِ حَتَّى أَتَاهُمْ أَمْرُ اللَّهِ بَغْتَةً وَهُمْ غَافِلُونَ، فَنُقِلُوا عَلَى أَعْوَادِهِمْ إِلَى قُبُورِهِمُ الْمُظْلِمَةِ الضَّيِّقَةِ).
وعنه أيضاً قال: (لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الْآخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَ[يَرْجُو] يُرَجِّي التَّوْبَةَ بِطُولِ الْأَمَلِ… إِنْ عَرَضَتْ لَهُ شَهْوَةٌ أَسْلَفَ الْمَعْصِيَةَ وَسَوَّفَ التَّوْبَةَ).
وفي مناجاة الإمام زين العابدينَ: (وَانْقُلْنِي إِلَى دَرَجَةِ التَّوْبَةِ إِلَيْكَ، وَأَعِنِّي بِالْبُكَاءِ عَلَى نَفْسِي، فَقَدْ أَفْنَيْتُ بِالتَّسِّوِيفِ وَالْآمَالِ عُمُرِي، وَقَدْ نَزَلْتُ مَنْزِلَةَ الْآيِسِينَ مِنْ خَيْرِي، فَمَنْ يَكُونُ أَسْوَأ
حَالًا مِنِّي إِنْ أَنَا نُقِلْتُ عَلَى مِثْلِ حَالِي إِلَى قَبْرِي لَمْ أُمَهِّدْهُ لِرَقْدَتِي، وَلَمْ أَفْرُشْهُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ لِضَجْعَتِي…).
وقال الإمامُ الباقرُ: (إِيَّاكَ وَالتَّسْوِيفَ؛ فَإِنَّهُ بَحْرٌ يَغْرَقُ فِيهِ الْهَلْكَى).
وَلْنتدبّرْ في حال ذاك الذي يُسوِّف دفع الخُمس، أو الزكاة، أو الديون، وإذا به يفاجئه الموت، فيندم حيث لا يفيد الندم.
أو ذاك الذي يُسوِّف استرضاء خصومه الذين اغتابهم، أو اتَّهمهم، أو ظلمهم بنحوٍ من الأنحاء، إذ يقول: أتوب وأفعل كذا وكذا غدًا… بعد شهر… بعد سنة… وهو غافل عن أنَّ هذه أحبولة من أحابيل إبليس، حتى يفاجئه عزرائيل.
أو ذاك الذي يُسوِّف قضاء الصلوات، والصيام، والحج، و… وغيرهم ممن يُسوِّف، ويُسوِّف، ويُسوِّف.
واللطيف هو أنّ المستفاد من الروايات هو القيام بعكس ما يفعله الناس، إذ إنَّهم يبادرون إلى المعاصي — من غِيبةٍ، وتهمةٍ، و… إلخ — ويُسوِّفون الطاعات، مع أنَّ المستفاد من الروايات أيضا ومن حُكم العقل، هو العكس، أي: إذا عنّت لك معصية، فسَوِّف، وقل: غدًا، أو بعد غد، فإنّ نفس هذا التسويف نوعٌ من الجهاد: (وَالَّذينَ جاهَدُوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا)، وكثيرًا ما تزول شهوة المعصية بتأجيل فعلها.
وإذا عرضت لك طاعة، فبادر إليها، مخافةَ أن يتآزر على إغوائك الشياطين — شياطين الجنّ والإنس — لثَنيك عنها.
والغريب أنَّه يُحَتِّم على الله تعالى مغفرته لزلته، (ويعتبر قتل سيّد شباب أهل الجنة مجرّد زلة!!)، وإن كان أظلم الثقلين! فشابه بذلك قول اليهود والنصارى: (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ)، ولاحظ استحواذ الشيطان عليه، إذ يرى المعاد مجرّد قول أناس، ثم يُثنّي بقوله: (فإن صدقوا…)! ولاحظ كيف رمى به التسويف إلى قعر جهنّم والعياذ بالله.
وبذلك، خلصنا إلى أنَّ التغيير يجب أن يكون مدار اهتمامنا، ومحور تفكيرنا، على امتداد ساعات العمر، وأنَّ الذي يقنع بالوقوف على القمّة، سيسبقه المتسابقون، وسوف يتراجع إلى الصفوف الخلفيّة.
وأنَّ التغلّب على سيّئ الخصال، وقبيح الإدمان على الأفعال، ممكن، لكنَّ ذلك مشروطٌ باتّباع آليّاتٍ متكاملة، تأخذ بالإنسان خطوةً فخطوة، نحو النجاح والفلاح، ومنها: طرح مشجّرة الأسئلة، والتعامل معها على طول الخط، وخاصة تجنّب داء التسويف، إضافةً إلى التسلّح بسلاح الفهم الواضح والمعمّق للضرورات الداعية إلى التغيير، والتي تختزلها مفردة (لماذا)، مُعلّلةً بوجود: فرص، ومخاطر، ونقاط قوّة، ونقاط ضعف، كلُّ ذلك، انطلاقًا من قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ)، وللبحث صلة بإذن الله تعالى.



